( قرأنا في كتاب في
التربية العصرية والتعليم من تأليف أساتذة وزارة المعارف المصرية وغيرهم، وأكثرها
مأخوذ عن الإفرنج ومترجمٌ من لغاتهم، ومما قرأنا كتاباً قيم لأحدِ أفاضل مفتشي
المعارف سابقاً ذكر فيه كيفية التعليم والتربية في النكلترا وفرنسا وأمريكا
وألمانيا وغيرها؛ وقارن بين كل ذلك، وقد نالت أمريكا قصب السبق في مقارنته بين تلك
الأمم؛ لأنها أكثر اعتماداً في العمليات دون التنظريات.
وقد
رأيت أن هؤلاء الناس لم يبلغوا عشر معاشر هدي نبينا محمدﷺ في تعليمه وتربيته، ولعل
ما ينقله لنا هؤلاء الأساتذة عن الإفرنج مأخوذٌ من هديه ص .
فمن
أسس التربية النبوية:
1-
الرفق بالمتعلم؛ فما ضرب أحداً ولا سبه بل كان يقول: "يسروا ولا تعسروا"
ويقول: "عليكِ بالرفق، وإياك والعنف"،
ويقول: "ما كان الرفق في شيء إلا زانه وما نزع من شيء
إلا شانه"
هذا
أساس التربية والتعليم، فقارن بين هذا الهدي وبين ما تلاقيه الطلبة اليوم
من الأساتذة والنُّظار من توبيخ وتأنيب هو شر من الضرب على الوجوه، دع الطرد من
الدروس والحرمان من العلم يوما أو أكثر.
وربما يلقى
الطالب أكثر من ذلك لكلمة بسيطة لم توافق مزاج سعادة الناظر أو الأستاذ، وتراهم
يُعسِّرون على الطلبة الاختبارات حتى يرسبوا فيأخذون على حضراتهم دروساً خصوصية
غير التي يتقاضون عليها مرتباتهم -أصلحهم الله- أما يخافون يوما يحاسبون فيه على النَّقير
والقطمير؟
2- كان
النبي ﷺ يعلم الناس بالعمل، فكان يصلي على المنبر أمامهم يركع ويسجد وهم يرونه،
ويقول: "صلوا كما رأيتموني أصلي"، ويقول في الحج: "خذوا عني مناسككم"، وما سئل عن شيء قدم
ولا أخّر إلا قال: "افعل
ولا حرج".
فانظر اليوم تعليم العلماء المعاهد ماذا يقولون في
دروسهم لطلابهم المساكين الذين أوقعهم سوء الحظ بين أيديهم: شروط الوضوء كذا،
وفروضه كذا، وسننه كذا، ومستحباته كذا، ومبطلاته كذا، حتى لقد طولوا على الطلبة
وعلى الناس، وجعلوا الدين أمامهم ألغازاً ومشاكل حتى نفّروا الناس منهم ومنه، ولا
حول ولا قوة إلا بالله.
ماذا على الأستاذ المعلم لو أرشد الطلبة وعلمهم الوضوء
عملا كما فعل الرسولﷺ، كما في حديث حمران مولى عثمان؟
عن ابن شهاب أن عطاء بن يزيد أخبره أن حمران مولى عثمان
أخبره أنه رأى عثمان بن عفان دعا بإناء، فأفرغ على كفّيه ثلاث مرار فغسلهما، فأدخل
يمينه في الإناء فمضمض واستنشق، ثم غسل وجهه ثلاثاً، ويديه إلى المرفقين ثلاث
مرار، ثم مسح برأسه، ثم غسل رجليه ثلاث مرار إلى الكعبين، ثم قال: قال رسول الله ﷺ :" من توضأ نحو وضوئي
هذا، ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه، غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه".
فتأمل هذا الحديث كيف فعل عثمان وحمران مولاه ناقلين معن
النبي ص وضوءه وترغيبه، فأين هذا من تنطع المتنطعين الذين قال الرسول فيهم: "هلك المتنطعون".
ألا علِّموا الطلبة هدي النبي ﷺ في وضوئه واغتساله
وصلاته وحجه وصومه، وكل شأن من شؤونه بالطرق العملية.
وليتأملوا حديث تعليم جبريل النبي ﷺ الصلوات الخمس وهو
في موطأ مالك في أوله.
أما آن للمسلمين أن يرجعوا إلى هدي رسولهم؟
أما آن للمتفرقين أن يعتصموا بحبل ربهم وسنة نبيهم ﷺ ؟
أم يقولون لا نفهم ولا نعقل، وذلك شيء لا يستطيعه إلا
الأئمة الذين سبقونا؛ ولسنا مثلهم ولا عندنا عشر معاشر ما أوتوا، وبذلك يشهدوا على
أنفسهم انهم محتاجون إلى رسولٍ يفقهون كلامه، وإلى كتاب غير القرآن يناسب عقولهم،
أم ماذا يقولون؟
أما آن لهم أن يتدبروا قول الله تعالى: ﴿إن الذين فرقوا
دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء﴾ .
ألم يعلموا أن الرسول قال: "إنما العلم بالتعلم"؟
اللهم اصلح أحوالنا.
وفي هذه العجالة كفاية، ولعلي أرجع إلى هذا الموضوع
فأوفيه حقه، والله المستعان
أبو السمح إمام وخطيب الحرم المكي)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق