الجمعة، 8 ديسمبر 2017

الشيخ حامد الفقي: أيها المسلمون! إنها ليست فلسطين ..وإنما فلسطين المفتاح

تحاول اليهود جاهدة أن تغتصب فلسطين الإسلامية، وتعمل لذلك بكل قوتها ودهائها وكيدها، ولا تترك فرصة سانحة إلا وتنتهزها لبلوغ غايتها بل وتخلق الفرص لذلك؛ وإنها لن تصل إلى هذه الغاية أبداً، لأن حكم الله عليها مبرم لا نقض له ولا معقّب لأمره: ((فلما عتوا عما نهوا عنه قلنا هم كونوا قردة خاسئين. وإذ تأذّن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم)).

وقال في طردهم من رحمته: ((قل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله؟ من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شر مكانا وأضل عن سواء السبيل)).

وقال في عداوتهم لبعضهم ولكل الأمم وسعيهم الدائب لإفساد الأرض وسفك الدماء: ((وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فسادا. والله لا يحب المفسدين)).

هذا بعض ما جاء عن الله -سبحانه- الذي بيده مقاليد الأمور، والذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور عن هذه الطائفة، ولقد لعنهم الله على لسان داود وعيسى ابن مريم، واللعن هو الطرد المؤبد من رحمة الله. وما يفعل الله ذلك بأحد إلا وهو يعلم أنه ليس أهلا لهذه الرحمة في وقتٍ من الأوقات، فقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم رَعلاً وذكوان وآخرين لقتلهم القُرّاءَ غدراً، فأنزل الله عليه ينهاه عن ذلك لما يعلم أنهم سيثوبون إلى الإسلام: ((ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون)).

أما اليهود فقد جاء في كثير من القرآن لعنهم، وأخبر عن النصارى بأنهم أقرب مودة للذين آمنوا من اليهود، وبأن في قلوبهم رقة ورحمة على عكس قلوب اليهود التي وصفها بأنها أشد قسوة من الحجارة، ومن آثار هذه لقسوة قتلهم الأنبياء والذين يأمرون بالقسط من الناس، ولولا أن طهّر الله عيسى ابن مريم من أيديهم لقتلوه، وجريمة قتله عالقة بأديهم، لأنهم يعتقدون أنهم قتلوه، وقد حاولوا مرارا قتل خاتم المرسلين محمد صلى اله عليه وسلم ولولا أن الله حفظه لفذوا فيه كيدهم.

فإذا كان هذا ما في قلوبهم على الأنبياء الذين هم أبر خلق الله بالناس وأرحمهم بالناس وأعظمهم عليهم منّةً وأكثرهم فضلا، فكيف بغيرهم من بقية الشعوب والأمم؟

إن الدليل على ذلك قائم في عدوانهم على الآمنين من أهل فلسطين، بل على المندوب السامي الإنكليزي -وكان أولئك اليهود يظهرون المودة ويبذلون لها المعونة- وقد دلّت تلك الحوادث على ما تنطوي عليه قلبهم مما سجله الله تعالى في كتابه من العداء لكل الأمم.

إن دعواهم أنهم يريدون وطناً يلم شملهم ويجمعهم من هذا التشرد -دعوى كاذبة، قامت الأدلة على كذبها، ومن أبين هذه الأدلة أن فلسطين بلد ضيق بأهله، وفي الأرض مشرقها ومغربها أرض واسعة أخصب من فلسطين، وأكثر ثمرات، وقد عرضت عليهم فأبوا إلا فلسطين. لماذا؟ لأن فلسطين مفتاح للشرق والغرب، وعلى الأخص لبلاد العرب قلب الدولة الإسلامية، والتي تدّعي اليهود زوراً وبهتاناً -كشأنهم في كل دعاويهم- أن لهم بها خيبر بل والمدينة، فهم لا يريدون فلسطين لذاتها ولا لما فيها من أماكن مقدسة، فما لليهود وللدين وأماكن العبادة؟ إنما هي العداوة المتأصلة في قلبوهم تدفعهم أن يقبضوا على المفتاح ليدخلوا به إلى أي بلد يشاؤون؛ وليسعوا بالفساد كما يريدون.

أيها الناس: الأمر أخطر مما تتصورون، وأعظم شراً من أن يدفع في صدره احتجاج يكتب أو خطبة تقال في جَمعٍ من المسلمين أو غير المسلمين من العرب، الأمر أخطر من ذلك وأشد بلاءً، وقد عملوا ويعملون بكل حيلهم لمد حبالهم وشباكهم فيما حول فلسطين من البلاد والأمم.

فتنبوها للخطر قبل وقوعه، وإن كان الله غالبا على كيدهم، ومكره أشد من مكرهم؛ ووعده أحق من أمانيهم، ولكن واجب الحياة يقضي على الناس أن يحذروا وأن يعملوا كل ما في وسعهم لدفع هذا الخطر العظيم.

وإنا لنحم لرفعت النحّاس باشا موقفه في البرلمان -أعظم الحمد- ونسأل رفعته في إلحاح، كما نسأل غيره من زعماء الشرق أن يبادروا بالعمل الحاسم لدرء هذا الخطر، فهو والله ليس خطراً على الدين فحسب بل خطر على كل شيء اقتصادي وأدبي واجتماعي وأخلاقي. بل أخطر على مقومات الأمم الشرقية، يحاول هذا الخطر أن يبتلعها ويهضمها ويخرجها شيئاً آخر على ما يحب اليهود ويهوون.

والله يحفظنا ويقينا شر ذك، وإن الأمر يدعو إلى جمع كلمة الأمم الشرقية في قوة وحزم، وقيام ملوكها جميعا ويكونوا جبهة قوية متحدين لدفع هذا الخطر الذي يعمل على أذاهم أجمعين.

ألا فيستيقظ العرب والمسلمون وليفتحوا أعينهم جيداً للحبال التي تحاك حول أعناقهم، وليعملوا سريعا على قطعها، قبل أن تُوثَّق وتُشَد، والله يعينهم يوفقهم ويقِ الناس شر هذا الخطر، ويرد إلى العالم أمنه وعافيته.

محمد حامد الفقي

(مجلة الهدي النبوي 8 / العدد 9 / صـ28-30)

الاثنين، 4 ديسمبر 2017

يوم الشهيد في ميزان الشرع والعقل

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد :

فقد وقفت على تغريدات لبعض الدعاة الفضلاء، في (تويتر) يشاركون فيها عامة الناس بما يسمونه بـ (يوم الشهيد) وهو أمرٌ مستحدث، وعادة دخيلة على ديننا، وأعرافنا.

ولربما كان ذلك ردة فعل لبُغض الخوارج وأترابهم لحكوماتهم وحكامهم المسلمين.

وهذا خطأ كبير، إذ لا تزال البدعة ببدعة أو فسق، ولا يدفع الخطأ بخطأ مثله .. بل بالسنة، ولو رجعوا إلى أهل العلم لسلِموا من الوقوع في البدعة.

قال ابن كثير:(...وهذا من باب مقابلة البدعة ببدعة مثلها، ولا يرفع البدعة إلا السنة الصحيحة، وبالله التوفيق).
[البداية والنهاية 15/ 483]

وقبل الحكم على (يوم الشهيد)، لابد أن نعرف كنهه، ونُبيِّن ملامحه، حتى نتصور المسألة تصوراً صحيحاً، ويكون حكمنا حكماً دقيقاً.


* أولا : ( يوم الشهيد ) ..  هو عيد ؟

نعم، هو عيد، إذ العيد من العود، فيوم الشهيد يوم مخصوص من أيام السنة، يعود الناس لذكر موتاهم في الحروب سنوياً، ويطلق العيد في الأصل على المناسبات السعيدة والحزينة، ولكن غلب المعنى الأول؛ لأن العيد عند أهل الإسلام: (عيد الفطر وعيد الأضحى)

وقد جعل الله أعيادنا المباركة جزاءً لأهل العبادة، الصوامين القوامين، والقاصدين بيته العتيق، فكافأهم بإدخال الفرحة على قلوب المسلمين، وسنّ لهم شرائع لإظهار تلك البهجة ظاهراً وباطناً؛ مٍن ذبح للنسك، وتهليل وتكبير وذكر.

وقد حرم رسول الله اتخاذ الأعياد، غير عيدي الإسلام الفطر والأضحى

* ثانياً: هل كل يوم مخصوص، يعود سنوياً، يكون عيداً محرماً؟

مثال ذلك؛ يوم المرور، هو يوم لا يحتفل فيه ولا يحزن فيه، فهو يوم إرشادي، ليس فيه شيء من إظهار الفرح والاحتفال أو الحزن والندب، فهو إذن خارج محل النزاع، وقس عليه ما شاكله.

* ثالثاً: هل (يوم الشهيد) يوم فرح أم حزن؟

لا أظنُّ عاقلاً يقول أنّ يوم الشهيد يوم فرح وسرور، إلا أن يكون جاهلاً، لا يدري ما يخرج من رأسه.

وقد رأيت البعض يحتفل باستشهاد إخواننا المجاهدين في مواطن الجهاد، بالتصفيق .. بل بالغناء والرقص !

أيُحتفل بموت حبيبٍ؟!

ولو جزمنا -فرضاً- أنه شهيد عند الله، أيحتفل بفراقه؟

أهذا من العقل والإسلام في شيء ؟!

حاشى لدين محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم ..

فما احتفل رسول العقل والرزانة والإنسانية باستشهاد أحد من أهله وصحابته في المعارك وهم شهداء قطعاً ! ..

فيا قومِ ألا تعقلون ؟!

الخيار الثاني ... هو: يوم حزن

وهذا يأخذنا إلى طرح تساؤلات:-

1- هل هو تأبين ؟
نعم.

2- ما حكم التأبين؟

أ) روى الإمام أحمد بسنده أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن المراثي.

قال عبد الرحمن المباركفوري: "المرثية المنهي عنها: ما فيه مدح الميت، وذكر محاسنه الباعث على تهييج الحزن وتجديد اللوعة، أو فعلها مع الاجتماع لها، أو على الإكثار منها دون ما عدا ذلك". [تحفة الأحوذي]

ب) قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحدَّ على ميتٍ فوق ثلاث ليال، إلا على زوجٍ أربعة أشهر وعشر)

فإن كان حداد المرأة على زوجها ورفيق عمرها.. الميت؛ لا يحل بعد أربعة أشهر وعشرة أيام، لمرَّة واحدة في العمر !

فكيف بمن يقيم الحِداد، ويهيج الأشجان، ويجدد جروح الثكلى، ويثير عاطفة الأرملة، ويكسر قلب الطفل اليتيم، ويرسل مزن الأحزان على أهل الميت حتى يخيم عليهم البؤس والنكد ! لمَ كل هذا ... لمَ ؟!

أما يكفي الدعاء له عند ذكره إذا طرأ ؟

والتصدق عنه، وبناء المسجد له، وعمارة الأوقاف باسمه، وغيرها من الأمور التي تنفعه وهو في قبره؟

رابعا: أوجه تحريم (يوم الشهيد) استنادا إلى ما مضى:

1- هو بدعة منكرة لحديث "كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد".

وقد عدَّه الإمام الألباني من بدع الجنائز :
(تأبين الميت ليلة الأربعين ، أو عند مرور كل سنة المسمى بالتذكار) [صـ275 احكام الجنائز وبدعها].

وقد أفتت اللجنة الدائمة: (لم يثبت عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، ولا عن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ ، ولا عن السلف الصالح إقامة حفل للميت مطلقا ، وعند وفاته ، ولا بعد أسبوع ، أو أربعين يوما ، أو سنة من وفاته ، بل كل ذلك بدعة وعادة قبيحة ، وكانت عند قدماء المصريين ، وغيرهم من الكافرين ، فيجب النصح للمسلمين الذين يقيمون هذه الحفلات ، وإنكارها عليهم ؛ عسى أن يتوبوا إلى الله) [رقم 3668- تاريخ 7- 6- 1401]

2-هو ليس من الأعراف، وفكرته غربية الأصل، ولا يخفى على مسلم تحريم التشبه بالكفار، فما بالك بمشابهة أعيادهم

فعند الأمريكان يحتفل "بيوم الذكرى" Memorial Day - Remembrance Day تخليدا لذكرى قتلى الحرب الأهلية، ثم صارت للجنود قتلى الحرب العالمية الأولى.

وكذا الأمر في كندا وبريطانيا ... حتى تابعتهم بعض الدول المسلمة -للأسف- .. وصدق رسول الله (لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة...)

3- لا ينبغي إدخال الحزن على القلب، لغير سبب معقول، أو مسوغ مشروع. 

•• مسألة: هل يقاس يوم الشهيد على أسبوع المرور؟

لا، لأنه يعتبر أسبوع إرشادي توعوي، ليس فيه شيء من مظاهر الاحتفال والبهجة، وإن كانت تسميه وزارات الداخلية "بالاحتفال"، إذ ليس فيه شيء مظاهر العيد والأُنس به، كما أسلفت.

هذا وأسال الله أن يغفر لإخواننا، وأن يعيد لهم رشدهم، وأن يستعملهم في طاعته، وحسن عبادته، وأن يجعلهم مفاتيح للخير، مغاليق للشر.

آمين

كتبه أبو عمر عبدالله بن محمود الهزاع