الاثنين، 25 مايو 2020

البيان لما نسب "محمد الغزالي ومهنا المهنا" إلى الشيخ الفقي من البهتان

الحمدلله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

فقد أرسل إلي أحد الزملاء تغريدة نشرها المدعو (مهنا المهنا) وهو شخص متخصص في التاريخ، صوفي أشعري الاعتقاد، من أشهر الحاقدين على أهل السنة والجماعة في الكويت، المتفننين في نشر الكذب على علمائها، وتشويه صورة منهج السلف الكرام بالباطل، وقد رددتُ على بعض كتاباته في توِتَر، لكنه من الصنف الذي يكتب ولا يرد على مخالفيه وإن تبيّن له كذب وزور نقولاته، ولا يتراجع، نسأل الله العافية.

[الجامية والمداخلة هم من يطعنون في أبي حنيفة عند المهنا] 

كتب المهنا مجموعة من التغريدات قبل يومين عن المخالفين للإمام الفقيه أبي حنيفة رحمه الله، فأسرف في النيل منهم، وسلط تغريداته بطريقة صبيانية في غاية الرعونة على من انتقد أبا حنيفة -عموما دون تفصيل- ، ومن العجيب أنه حصر مخالفيه بمن سمّاهم بـ (الجامية والمداخلة) !
مع أن أول من تكلم في عقيدة أبي حنيفة جماعة من كبار أئمة الحديث، كالإمام أحمد، وصاحبه أبي يوسف، والسفيانين، والأوزاعي والحميدي، وغيرهم.
وقد نقل بعض تلك الآثار عبدالله ابن الإمام أحمد بن حنبل رحمهما الله في كتاب (السنة) وغيره، فليراجعها المهنا لأنه لم يطلع عليها، فإني لا أظنه يعني بهؤلاء الأئمة (الجامية والمداخلة) !

ومع هذا أقول: اختلف علماء السنة في أبي حنفية بسبب بعض مقالاته في العقيدة جرحا وتعديلا، ولا يمكن إنكار أمر تاريخي ثابت قد وقع، وتهميش أقوال أئمة الإسلام لأجل الانتصار لأبي حنيفة رحمه الله.

وأبو حنيفة رحمه الله إمام من أئمة الدين والدنيا، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وأئمة الإسلام المعروفون بالإمامة في الدين: كمالك والثوري والأوزاعي والليث بن سعد والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي حنيفة وأبي يوسف..) [منهاج السنة 1/ 215-216].

[الشيخ أ.د محمد بازمول: الذي استقر عليه أهل السنة ترك الكلام في أبي حنيفة]

قال -حفظه الله- :
(الذي استقر عليه عمل أهل السنة والجماعة هو ترك الكلام في أبي حنيفة رحمه الله ، وأنه إمام صاحب منهج متبع ، وأن ما وقع فيه من خطأ وقع باجتهاد وإن شاء الله يعذر عليه ، بل أزيدكم : ابن تيمية - رحمه الله - عدَّ في علماء أهل الحديث وفقهاء أهل الحديث : الإمام أبا حنيفة وذكره منهم ، بل أزيدكم من الشعر بيتاً : أن الإمام الذهبي في رسالته في المتكلمين في الرجال ، والإمام السخاوي في رسالته في المتكلمين في الرجال جرحا وتعديلا ، كلاهما أورد أبا حنيفة من ضمن أهل الحديث الذين يعتمد قولهم في الجرح والتعديل ، فاطووا هذه الصفحة ولا تبسطوها ولا تتوسعوا في هذا الكلام ولا تدخلوا فيه فإن الكلمة قد استقرت من بعدُ على إمامة أبي حنيفة ، وما أخطأ فيه فهو والحمد لله واضح معروف نحن نتركه ولا نتبعه ونظن به إن شاء الله خيرا وأنه عالم مجتهد وانتهى هذا الموضوع) [شرح سنن ابن ماجه الدرس (4)],

[ائتنا بطعن الشيخين محمد الجامي وربيع المدخلي بأبي حنيفة يا المهنا]

لم ينقل المهنا عن الشيخين محمد أمان الجامي رحمه الله ولا عن ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله، ولا عن أحد من تلامذتهما نصاً في الطعن في الإمام أبي حنيفة رحمه الله.
فإن كانا ممن يطعن في أبي حنيفة .. فليأتنا المهنا بكلامهما - مع أن هذا البحث خارج محل النزاع لكني أريد أن أثبت للجميع أن الرجل كان في سكرة الطيش عند كتابته لتلك التغريدة.


[زعمه أن العلامة محمد حامد الفقي رحمه الله قال عن أبي حنيفة: أبا جيفة]

كتب المهنا : (كان محمد حامد الفقي يسمي أبا حنيفة (بأبي جيفة) فمات موتة نكراء ! نسأل الله العافية ! وهناك شيخ كويتي كان يلقب أبو حنيفة (أبو جيفة) ففضحه الله وهتاك ستره ! نسأل الله العافية والستر والعفو في الدنيا والآخرة لنا ولأحبابنا المسلمين. آمين آمين آمين) اهـ [تاريخ 23-5-2020 / 1:18 ص]

والجواب:

أولا: هذه مقالة حماد بن سلمة [ت:167هـ] :
قال عبدالله بن الإمام أحمد: (حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ سُفْيَانَ ، حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ ، سَمِعْتُ حَمَّادَ بْنَ سَلَمَةَ ، إِذَا ذُكِرَ أَبُو حَنِيفَةَ قَالَ : ذَاكَ أَبُو جِيفَةَ قَالَ وَبَلَغَنِي أَن عُثْمَانَ الْبَتِّيُّ ، كَانَ يَقُولُ : ذَاكَ أَبُو جِيفَةَ) [السنة 288].

وقالها أبو بكر الحميدي [ت220هـ] :
قال الخطيب البغدادي: (أخبرنا ابن رزق، قال أخبرنا عثمان بن أحمد، قال حدثنا حنبل بن إسحاق، قال سمعت الحميدي يقول إذا كنّا أبا حنيفة : أبو جيفة) [تاريخ بغداد 15/ 558].

ثانيا: أن الشيخ حامد الفقي [ت:1378هـ]  ليس أول من اتهم بهذه التهمة، فغير واحد من مشايخ السنة -قديما وحديثا- الذين نقلوا آثار المخالفين لأبي حنيفة -في معرض سبر أقوال الأئمة فيه- اتُّهموا بهذا الاتهام لمجرد النقل، لا الترجيح.

وهذه فرية محضة، فالشيخ حامد يعظم الإمام أبا حنيفة، -وسيأتي بيان ذلك-.

فنعم الأمانة العلمية يا المهنا ..

وأنا بانتظار المصدر.

ثالث: زعم المهنا أن الشيخ الفقي مات موتة نكراء لطعنه في أبي حنيفة.
وهذا ضرب من تأثير القصص الدرامية والروايات التي يقرأها المهنا؛ فما سبب موته وكيف كانت لحظاته الأخيرة؟
أما سبب موته فكان كغيره من كبار السن الذين يبتليهم الله بما يشاء لهم كونا، وقد أجريت له عملية جراحية، وتكللت بالجناح، فسمح له الطبيب بالانصراف، ثم أصيب بنزيف في موضع الجرح، فأسرع الأطباء لعلاجه، ولكن أجل الشيخ كان قد سبق.

قال تلميذه الشيخ رشاد سليمان -رحمه الله-:
(وقبيل فجر ذلك اليوم طلب ماء ليتوضأ لصلاة الصبح، فقال له من حوله من الأبناء والإخوة: يكفيك التيمم وأنت على هذه الحال. فغضب وقال: أتريدون أن أتشرَّف بالمثول بين يدي ربي من غير وضوء؟ إئتوني بالماء.
فأحضروا الماء فتوضأ، ثم صلى فريضة الصبح، وقرأ في الركعتين سورة الرعد، وبعد أن فرغ من صلاته، وقبل أن تصعد روحه بدقائق طلب نقله إلى دار الجماعة، لقد تذكرها في تلك الحال، ولم يتذكر داره ولا ماله ولا أهله ولا ولده) ثم فاضت روحه، وعملا برغبته تم نقل جثمانه إلى دار الجماعة وصلي عليه، وحضر جنازته وزير الأوقاف وكبار العلماء كالعلامة محمد محيي الدين عبدالحميد ومحمد حسنين مخلوف وجميع مشايخ كليات الأزهر وأساتذته وعلماء الأزهر، وترامى أهل الأقاليم سراعا إلى دار أنصار السنة المحمدية بعد أن بلغهم الخبر، وكان ذلك يوم جمعة.
[انظر مجلة الهدي النبوي ج20 / العدد (7-8) صـ21-23].

استخرج لنا الموتة النكراء أيها الصادق الأمين ..

[استشهاد المهنا بمحمد الغزالي على تكفير الفقي لأبي حنيفة]

نقل المهنا ما نصه عن محمد الغزالي [ت:1416هـ] :
(إن زعيم السلفية الأسبق في مصر الشيخ محمد حامد الفقي حلف بالله أن أبا حنيفة كافر، ولا يزال رجالٌ ممن سمعوا اليمين الفاجرة أحياء..) [سر تأخر العرب والمسلمين]. [انظر للتغريدة بتاريخ 23-5-2020 / 1:54ص].

نقل الغزالي الخبر عن مجاهيل، والله يقول: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين).

والغزالي وأصحابه النّقَلَة في دائرة الاتهام .. حتى يثبتوا صدق دعواهم، لاسيما أنهم مخالفون للفقي، بل يخالفون أهل السنة والجماعة في أبواب شتى في العقيدة كتوحيد الإلهية والصفات وحقيقة الإيمان وباب القدر وغيرها، فادعاؤهم مردود حتى يأتونا ببينة من كلام مكتوب أو تسجيل مسموع، ومات الغزالي وأصحابه، ولم يأتوا ببينة.


[موقف حامد الفقي من الإمام أبي حنيفة]

لما نشر محمد الغزالي كتابه (سر تأخر العرب والمسلمين) عام 1408هـ /1986م -أي بعد وفاة الشيخ الفقي بسبع وعشرين سنة- ورأى الناس تجني الغزالي على الشيخ الفقي رحمه الله، بادر الأستاذ عبدالعزيز محمد عبدالعزيز السكندري -رحمه الله- بالرد على الغزالي في مجلة التوحيد التابعة لجماعة أنصار السنة المحمدية (سنة1408 / العدد5 / صـ54-56).

أنقل خلاصة رده:
ذكر رحمه الله أن لهذا الحدث قصة هي سبب انتشار هذه الفرية، وهي:

أنه في عام 1931م حقق العلامة محمد حامد الفقي رحمه الله تاريخ بغداد للخطيب، وعند ذكر ترجمة الإمام أبي حنيفة قال الشيخ حامد: (قال الخطيب البغدادي أن أبا حنيفة كان يجنح إلى القول بالرأي، وأنه كان ضعيفا في استخدام علم مصطلح الحديث، وأنه كان يعمل بالأحاديث الضعيفة، ويستند إليها في أحكامه وفتاويه)، وأورد آراء المؤيدين والمعارضين.
فما كان من علماء الحنفية إلا أن قاموا بحملة شعواء على صاحب مكتبة الخانجي الذي طبع الكتاب والمحقق !
ولو أنهم كلفوا أنفسهم قراءة مقدمة الكتاب أو تعليق الشيخ على كلام الخطيب رحمهما الله لكفوا شر الادعاءات الباطلة.

قال الشيخ الفقي رحمه الله: (ذكر الخطيب رحمه الله تعالى للإمام ولغيره من أئمة الهدى كثيرا من الفضائل، ولا شك أن للعصبية المذهبية شأنا وأي شأن في أكثر ما نقل الخطيب في ترجمة الإمام رحمه الله تعالى.
وكم من عالم جليل وحَبرٍ نبيل أحسن الأحدوثة وأوفى الثناء على الإمام أبي حنيفة، وإن كنتَ في شكٍّ من هذا ولا أخالك فدونك كتاب "الانتقاء" لأبي عمر يوسف بن عبدالبر، وقد أشبع الحافظ بن الجوزي والملك المعظم الكلام في الرد على الخطيب إشباعا بالغا) [13/ 369].

[وأخيراً ..]

ليس المهنا أول ولا آخر من يفتري على الشيخ الفقي وغيره من علماء السنة، فقد افترى أهل البدع من المتصوفة وأهل الكلام على شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بمزاعم تضحك منها الثكلى.
وما دافع الكذب والبهتان عند أهل الأهواء إلا ضعف ححجهم، ووهن عقائدهم، أمام الأدلة الساطعة والبراهين الواضحة التي تقوم عليها عقيدة أهل السنة والجماعة المنتهجين نهج السلف الكرام عقيدة الكتاب والسنة.
رحم الله العلامة الفقي وجزاه عن أهل الإسلام خيرا، فقد لاقى الكثير في حياته، ولم يتركه أهل الزيغ بعد مماته.

والحمدلله رب العالمين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق