الخميس، 1 مارس 2018

فتح مكة أولى بالاحتفال إن كنتم صادقين

فتح مكة أولى بالاحتفال إن كنتم صادقين

 

الحمدلله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

فقد وقفت على كلمات لبعض الدكاترة في العلوم الشرعية في برامج التواصل الاجتماعية (توِتَر والتلغرام) يجيزون فيها الاحتفال بالأعياد الوطنية، بلا بيّنة شرعية ولا براهين عقلية.

شبهتهم: أن اليوم الوطني، يومٌ يُحتفل فيه بعودة الأمن والأمان للبلاد بعد الغزو الغاشم، ولا يكون هذا الاحتفال بانتهاك حرمات الله كالغناء والرقص وإيذاء الناس، ولا يسلموا بتسميته (عيدا).

والجواب:-
 

أولاً: ما دليلكم على جواز الاحتفال بيوم سنوي مخصوص، بإظهار معالم الفرح والنصر مِن الكتاب والسنة وعدم تسميته عيدا؟

الجواب: لا دليل عندهم، بل مقتضى الدليل الشرعي على تحريم إحداث الأعياد، فعن  أنس رضي الله عنه قال: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا فَقَالَ: (مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ قَالُوا: كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا يَوْمَ الأَضْحَى وَيَوْمَ الْفِطْرِ).

وقال صلى الله عليه وسلم للصدّيق: (يَا أَبَا بَكْرٍ إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا وَهَذَا عِيدُنَا)

فدلّ على أنّ الأعياد في الإسلام عيدان سنويان.

فإن قال قائل: هذه أعياد دينية، فما المانع من الأعياد الدنيوية؟

قلنا: أنّ النبي منع الأعياد كلها، بدليل أنهم أجابوه (كنا نلعب فيهما في الجاهلية).

ثم لو فَهِم الصحابةُ ذلك، لاحتفلوا بـ (غزوة بدر) و  (غزوة أحد) و (غزوة الخندق) الخ وجعلوها في كل عام -كعيدٍ دنيوي- ... بل لاحتفلوا -من باب أولى- بـ (عيد فتح مكة) وتحريرها من الأصنام والأوثان التي عُبدت من دون الله، في حرم الله، حول الكعبة المشرفة بيت الله وأقدس بقاع الأرض لعدة قرون !

وقد أنزل الله في ذلك النصر (سورة النصر)، فلم يحتفل رسول الله ولا صحابته ولا أحد من علماء الملة، بل حتى المجزيون للاحتفال بالأعياد الوطنية.

أوليس الاحتفال بفتح مكة أَولى بالاحتفال بفهمكم؟!

 

ثانياً: مَن سبقكم بهذه الفُتية مِن علماء أهل السنة والجماعة؟

الجواب: لا أعرف أحداً من أهل العلم –فيما وقفت عليه حتى الساعة- أجاز الاحتفال باليوم الوطني، فأصحاب الفضيلة:

العلامة/ محمد بن إبراهيم آل الشيخ

والعلامة/ عبدالرزاق عفيفي

والعلامة/ عبدالعزيز ابن باز

والعلامة/ محمد العثيمين

والعلامة/ صالح الفوزان

والعلامة/ صالح اللحيدان

قالوا بالمنع والتحريم.

استدل البعض بكلمة منشورة لسماحة المفتي (عبدالعزيز آل الشيخ) قال فيها عن اليوم الوطني السعودي: (الواجب أن يتحول هذا اليوم إلى يوم شكر لله وتفكر بنعمه، وأن يحرصوا على شكر الله على نعمة الأمن والأمان) على جواز الاحتفال باليوم الوطني!

ولا أدري أين وجدوا جواز الاحتفال في هذا التوجيه والنصيحة ؟!

 كما احتج بعضهم بكلام لشيخنا حمد العثمان -حفظه الله- عبر حسابه في (توِتَر) أظهر فيه الفرح في اليوم الوطني، وقد راجعتُ فضيلته في المسألة؛ وتراجع.

ثالثاً: بالنسبة إلى تسمية (العيد الوطني) بـ (اليوم الوطني) وعدم تسليمهم بتسميته عيداً، فهو أمر مخالف لغة وعرفا، ودليل ضعف حجة هؤلاء، وأن الحميّة الوطنية قد غلبتهم، حتى غشت أبصارهم، وحجبت عقولهم عن التفكير:-

ففي اللغة: قال ابن منظور (الْعِيدُ:هو كلُّ يومٍ فيه جَمْعٌ ، واشتقاقه من: عاد يعود، كأنهم عادوا إليه، وقيل: اشتقاقه من: العادة، لأنهم اعتادوه، والجمع أعياد. ويقال: عَيَّدَ المسلمون: شهدوا عِيدهم. قال ابنُ الأعرابيّ: سُمي العيدُ عيداً لأنه يعود كل سنة بفرح مُجدد) [لسان العرب 3/319].

واليوم الوطني عيدٌ سنوي، يجتمع فيه الناس، ويحتفلون فيه، فالوصف فيه متحقق.

فعجبا كيف غاب عن هؤلاء هذا الأمر، وهم يقرأون حديث رسول الله (ليشربنَّ أناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها) .. أعيذهم بالله أن يكونوا من المدلِّسين.
 
رابعاً: ومن أوجه تحريم الاحتفال بالعيد الوطني أنه مأخوذ من غير المسلمين، وقد نُهينا عن التشبه بهم قال عليه الصلاة والسلام: (لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لاتبعتموهم، قالوا: اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟!).
 

في الختام:

أنصح نفسي وإخواني طلاب العلم بلزوم هدي العلماء، والتمسك بفتواهم، وعدم التقدم عليهم، فهي أمارة جهل صاحبها أو ضلاله، وقد رددت قبل مدة غير بعيدة على بعض طلبة العلم في أحد الدول المسلمة، في مسألة الاحتفال بيوم الشهيد، وهذه أمارة على أنّ التهاون في الكلام في دين الله قد تفشى، والتساهل في الافتاء قد زاد.  
https://bomaralhazza.blogspot.com/2017/12/blog-post.html

فعجبي من سلفي يخالف صريح النصوص، ويخالف أئمة العصر في حكم الاحتفال بيوم ابتدعه أهل الكفر والإلحاد، ويشكك في حكمه !

 كما أنصحهم بتقوى الله في عامة المسلمين، فقد كثرت الفتاوى الشاذة من "المُتمشيخين" في الفضائيات، حتى صار الكثير من المسلمين لا يثقون في أهل العلم، فألحَقوا الصالح بالطالح، وجعلوا يستنبطون الأحكام الشرعية من فهمهم .. هُم، فوقعوا في شرَك الشيطان واتخذوا إلههم هواهم !

فإياكم أن تفقِدوا الناسَ الثقة بكم لفتاوى واهية .. وشذوذات سخيفة.

وقد رأيت بعض العوام يسألون بعض الدكاترة المجيزين للاحتفال باليوم الوطني عن الدليل الشرعي، فلم يجيبوهم، وكان الأولى بهم ثم أولى إجابتهم، امتثالا لأمره تعالى: ((قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين)).

والله المستعان

 

كتبه أبو عمر عبدالله بن محمود الهزاع