الجمعة، 20 أكتوبر 2017

(نصيحة) من العلامة محمد خليل هراس لشباب الأزهر


نصيحة

وإنما أتوجه بنصيحتي هذه إلى أبنائنا من شباب الأزهر، فقد أوشك العام الدراسي على الانتهاء، وآن لهم أن يؤوبوا إلى قُراهم وأهليهم، فمِن حقِّهم علينا أن نُزّودهم ببعض النصائح، وأن نُوجِّهَهم الوِجهة التي نعتقد فيها الخير لهم ولمن حولهم، وأنه ليس أولى من الشباب بالنصيحة لاسيما إذا كان هذا الشباب ممن تعدّه دراسته والعلوم التي تلقّاها ليكون مرشداً للناس إلى الله الحق وصراطه المستقيم.

وإنّ مما يشجعني على توجيه تلك النصيحة إلى هؤلاء الأبناء ما لمسته فيهم طوال العام الدراسي من الرغبة في الفهم الصحيح والعلم النافع، والنّفرة الشديدة من الجمود على التقليد والتبرم بتلك الكتب العقيمة التي فُرضت عليهم فرضاً، دون أن يجدوا لها مساغاً في عقولهم، والتي لا يعودون من دراستها إلا بصَدع الرؤوس وسأم النفوس.

وكم عانيتُ من ثورتهم عليّ أثناء الدرس بسبب هذه الكتب، حتى لقد يقول لي أحدهم: (إننا ما جئنا إلى هذا المكان لنُضَيِّع أعمارنا في هذا الهراء).

وكم كنتُ أعذرهم وأُرثي لهم فإنّ وقتي ووقتهم أثمن حقاً مِن أنْ نُنْفِقه في هذا السُّخف، وكم كان ضميري يجزع أشدّ الجزع حين أُراني بعد مُضيّ عام كامل لم أفرغ من تقرير تلكم الجملة التي صارت مضرب المثل: (حقائق الأشياء ثابتة والعلم بها مُتَحَقَّقٌ خِلافاً للسوفسطائية).

لذلك رأيت أنْ أتوجَّه إليكم أيها الأبناء بتلك الوصاة رايجاً أن تجعلوها نصب أعيُنكم، حتى تنتفعوا بما تقرأون وما تسمعون وحتى تنتفع بكم أمتكم، ويكتب الله لها الخير والرشاد على أيديكم فأديموا النظر في كتاب الله عز وجل- وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم- واعلموا أنّ الكتاب والسنة هما منهاج دينكم، وصراط ربكم، الذي أمركم باتباعه وحذركم الانحراف عنه حيث قال: ((وأنّ هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله)).

فلا تتقدموا على قول الله ورسوله قول أحدٍ، ولا تأخذوا بكلام أحد في الدين حتى تعرضوه على الكتاب والسنة، فإن وافقهما فهو حق، وإن خالفهما فهو باطل مهما كان قائله.

وعليكم بعد ذلك باقتفاء آثار السلف الصالح من الصحابة والتابعين وتتبّع ما قالوه، فإنهم أكمل هذه الأمة عِلماً وإيماناً، والحق لا يخرج عنهم أبداً، وخطأهم قليل نادر، فلا تعدلوا عما قالوه إلى تلك الآراء والمذاهب الباطلة التي أحدثها المتأخرون مُتأثِّرين فيها بتلك الفلسفات الدّخيلة، والجدل العقيم.

واهتموا جيّداً بمعرفة البدع والمحدثات، التي لصقت بالدين فشوّهت جماله وبساطته وأثارت سُخرية العالم من أهله.

وإذا رجعتم إلى بلادكم فستجدون مِن هذه البدع الشيء الكثير في بيوتكم وفي مساجدكم وفي جنائزكم وفي الجُمع والأعياد وفي الموالد والأضرحة، وفي تلك الطرق الصوفية المنتشرة في أرجاء البلاد، وما يزعم الدجّالون من شيوخ تلك الطرق من سَيْطرةٍ روحية، يستغلون بها السُّذّج طَمَعاً في ابتزاز الأموال وتحصيل الأتاوات.

حارِبوا تلك الخرافات والأوهام التي أفسدت عقول الناس، وانحرفت بهم عن سبيل الحياة الجادة المستقيمة، وصَرَفَتهم عن الأخذ في الأسباب التي وضعها الله عز وجل- وبيِّنوا لهم أنّ هؤلاء الدجاجِلَة الذين يقصدونهم ليَدلّوهم على غائبٍ أو ليُشفوهم من مرضٍ مستعصي، أو ليخصبوا المرأة بعد عُقمٍ، أو ليحفظوا الأولاد من الشر، أو ليباركوا لهم الزرع والضرع، وإنّ ذهابهم لتلك الأضرحة المُشيَّدة وطلب قضاء الحاجات من أهله واعتقاد أنّ الموتى والمقبورين أحياء في قبورهم، وأنهم يسمعون من دعاهم إلى غير ذلك مما لستُ أحصره ولستم أنت في حاجة إلى أنْ أدلكم عليه.

بيّنوا للناس أنّ ذلك كله لا يغني عنهم من الله شيئا، وإنه شرك بالله عز وجل-.

وكونوا في بيان ذلك كله رفقاء حتى يُثْمِرَ نُصحَكم وينفع علاجكم وإلا زادت العلة واستفحل الداء.

وفقكم الله ونفع بكم، إنه ولي التوفيق      

محمد خليل هراس

رئيس جماعة أنصار السنة بطنطا

*مجلة الهدي النبوي جـ18 / العددان (7-8) صـ 38-39*