السبت، 30 أكتوبر 2021

رسالة من الإمام ابن القيم للأطباء المسلمين الذين يزهدون بالاستشفاء بالقرآن الكريم

الحمدلله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعد، أما بعد:


فإنّ كثيرا من الأطباء النفسيين ينكرون الاستشفاء بالقرآن الكريم ونفعه، لاسيما للحالات المستعصيةكالاكتئاب الحاد والفصام وغيرهما، وللأسف أن المعنيين مِن أهل الإسلام.


وهذا نابع عن عدم التصديق الجازم بالوحي المنزّل، هدانا الله وإياهم إلى الحق والخير.


وبينما كنت أقلب صفحات كتاب (مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة) للإمام ابن القيم -رحمهالله-، وجدت كلامًا في غاية النفاسة في الباب، فأحببت نشره لعل الله يهدي أولئك الأطباء ومن على صدقهم،ممن يعتقدون أنّ الذين يجدون الراحة والنفع بقراءة القرآن يرجع شعورهم هذا دوافع عاطفية دينية ليس إلا.


قال -رحمه اللهفي معرض رده على من يزهد في الاستشفاء بالعسل والقرآن الكريم:


(وَأما الشِّفَاء الْحَاصِل من الْعَسَل فقد حرَمَه اللهُ كثيرًا من النَّاس حَتَّى صَارُوا يذمونه ويخشون غائلته منحرارته وحِدّته، ولا ريب أنّ كونه شفاء ، وكون القرآن شفاء ، وَالصَّلَاة شِفَاء، وَذكر الله والإقبال عليه شفاء ، أمرلا يعم الطبائع والأنفس، فهذا كتاب الله هُوَ الشِّفَاء النافع وَهُوَ أعظم الشِّفَاء، وَمَا أقل المستشفين بِهِ ! بل لَايزِيد الطبائع الرَّديئَة رداءة وَلَا يزيد الظالمين إلا خسارًا.


وكذلك ذِكر الله والإقبال عليه والإنابة إليه والفزع إلى الصلاة كم قد شفي به من عليل، وَكم قد عوفي به منمريض، وكم قام مقام كثير من الأدوية التي لا تبلغ قريبًا من مبلغه فِي الشِّفَاء، وأنت ترى كثيرا من النَّاسبل أكثرهم لا نصيب لهم من الشِّفَاء بذلك أصلًا.


وَلَقَد رأيت في بعض كتب الأطباء المسلمين في ذكر الأدوية المفردة ذكر الصَّلَاة ذكرهَا فِي بَاب الصَّاد، وَذكر منمنافعها في البدن التي توجب الشِّفَاء وجوهًا عديدة وَمن مَنَافِعهَا فِي الرّوح وَالْقلب.


وَسمعت شَيخنَا أبا العباس بن تيمية رحمه الله يقول -وَقد عرض لَهُ بعض الألم.

فقال له الطبيب:

أضر ما عليك الكلام فِي العلم، والفكر فيه، والتوجه، وَالذكر.


فقال: الستم تزعمون أنّ النَّفس إِذا قويت وفرحت أوجب فرحها لها قُوَّة تعين بهَا الطبيعة على دفع الْعَارِض،فَإِنَّهُ عدوها، فَإِذا قويت عليه قهرته؟ 


فقال له الطَّبِيب: بلَى.


فقال: إِذا اشتغلَتْ نفسي بالتوجه وَالذكر والكلام فِي العلم وظفرَت بِمَا يشكل عليها منه فرحت بِهِ، وقويت،فَأوجب ذَلِك دفع العارض.


هذا أو نحوه من الكلام .


والمقصود أنّ ترك كثير من النَّاس الاستشفاء بالعسل لَا يخرجه عن كونه شِفَاء، كما أنّ ترك اكثرهم الاستشفاءبالقرآن من أمراض القلوب لَا يخرجه عَن كَونه شِفَاء لها ، وهو شفاء لما فِي الصُّدُور، وَإِن لم يسْتَشف بِهِ أكثرالمرضى، كَمَا قال تعالى: {يَا أَيهَا النَّاس قد جاءتكم موعظة من ربكُم وشفاء لما فِي الصُّدُور وَهدى وَرَحْمَةللْمُؤْمِنين}.


فَعمّ بالموعظة والشفاء، وَخصّ بالهدى والمعرفة فهو نفسه شفاء استشفى به أو لم يسْتَشف بِهِ.


 وَلم يصف الله فِي كِتَابه بالشفاء إِلَّا: القرآن وَالْعَسَل، فهما الشفاآن، ههذا شفاء القلوب من أمراض غيّهاوضلالها، وأدواء شبهاتها وشهواتها، وهذا شِفَاء للأبدان من كثير من أسقامها وأخلاطها وآفاتها.


وَلَقَد أصابني أيام مقَامي بمكة أسقام مختلفة ولا طبيب هناك ولا أدوية كما فِي غَيرهَا من المدن، فَكنتاستشفى بالعسل وَمَاء زَمْزَم، ورأيت فيهما من الشِّفَاء أمرًا عجيبًا .


 وَتَأمّل إخباره سبحانه وتعالى عن القرآن بأنه نفسه شفاء، وقال عَن العسل: {فِيهِ شِفَاء للنَّاس}، وما كاننفسه شفاء أبلغ مما جعل فيه شفاء، وليس هذا موضع استقصاء فوائد العسل ومنافعه).

[مفتاح دار السعادة 1/ 250].


ثم إن كثيرًا من العلاجات التي يصرفها الأطباء للمرضى النفسيين لا تنفع المريض، بل ربما أضرته، فكيفيحصر أولئك الأطباء العلاج بأدويتهم الكيميائية فقط دون غيرها من علاج الطب الشعبي، والعلاج الشرعيبالرقية؟


قال تعالى : (يا أيها الناس قد جاءكم موعظة من ربكم وشفاءٌ لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين).


وقال سبحانه: (قل هو للذين آمنوا هدًى وشفاء).


فمن قرأ القرآن على وجه التحدي، ليثبت عدم نفعه للأمراض الحسية فإنه لن يُشفى، لأنه كافر به غير مؤمنبه، فلا يستحق رفع البلاء عنه.


اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا ونور صدورنا وشفاء همومنا وأسقامنا.


آمين.