الأحد، 29 يونيو 2014

رد العلامة (عبدالمهيمن أبو السمح) على من زعم أن مياه زمزم ملوثة

بسم الله الرحمن الرحيم

في عام 1379 هـ الموافق 1960 من التاريخ الصليبي أشاع أعداء الله أن مياه بئر زمزم ملوثة تلوثاً شديداً كيميائياً وبكتريولوجياً، وأنّه يغلب على الظن أن مياه مجارير منازل مكة تتسرَّب عبر مسام طبقات الأرض إلى بئر زمز.

فردّ عليهم العلامة عبدالمهيمن أبو السمح إمام الحرم المكي -رحمه الله- :

" إنَّ التلوّث المزعوم لا يمكن أن يكون موجوداً إلا في رؤوس المتشككين الموهومين الذين لا يؤمنون بالله وآياته، وذلك:

أولاً: لأنَّ الله سبحانه الذي أكرم الحجاج في بيته بالضيافة الكريمة لا يترك سقياهم ملوّثاً بالجراثيم ((وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخاً وحجر محجوراً)، وهو سبحانه الذي يسقي عباده اللبن الخالص السائغ من الأنعام من بين الفرث والدم (وإنّ لكم في الأنعام لعبرة، نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين)، وغير ذلك من آثار قدرته ورحمته، فكيف يترك المجارير تطغي على مورد حجاج بيته؟!

ثانياً: إن أرض مكة كلها حجرية وليست رملية ولا طينية حتى تتسرب مياه المجارير إلى البئر.

ثالثاً: هذه الحكومة القائمة في البلاد، التي لا تألوا جهداً في راحة الوافدين إلى بيت الله، من تعبيد الطُرق وتأمينها، وبناء ميناء جدة، وإقامة المظلاّت في منى وعرفة، وتوفير المياه، وإنشاء المستشفيات، واستقدام الأطباء من الأقطار الشقيقة، وفي مقدمتها الجمهورية العربية المتحدة، فهل من المعقول بعد ذلك كله أنها تترك الناس يستقون من بئر ملوثة؟ وأين إذن هؤلاء الأطباء وعلى رأسهم أطباء الجمهورية العربية المتحدة؟!

إنها في الحقيقة حملة مريبة، ومن قبلها حملة الطعن على تقبيل الحجر الأسود، لن تستطيعوا أن تُعطِّلوا شرائع الله، ولا أن تصدّوا عن البيت الحرام، ولا أن تبطلوا خامس أركان الإسلام، فقد كتب الله في قلوب الناس وافئدتهم أن تهوى حج بيته " .  اهـ



والحمد لله رب العالمين


]مجلة الهدي النبوي 21  /  665-666 ] .

مقال: دعـــارة مــن جــنــيــف .. بقلم العلامة محمد خليل هراس

بسم الله الرحمن الرحيم

" نشرت جريدة الأهرام بعددها الصادر يوم الخميس 22 يوليو سنة 1954 رسالة بعث بها أحد المصريين الذين يُصفيِّون الآن في سويسرا إلى صاحب (ما قلَّ ودلَّ) يكشف فيها هذا  المصري المسلم القناع عما تعتلج به نفسه الخبيثة الداعِرة من رغبةٍ جامحةٍ في أن يرى بلاده وقد أخذت نفسها بما يراه ويسلتمتع به هناك في بلاد الغرب مما يسميه ((الصراحة الجنسية)) ويقول أنَّ هذه الصراحة لم تحل دون تقدم البلاد.

ويعجب أشد العجب حين يقرأ جرائد بلاده العزيزة ومجلاتها مما يتعب فيه المصلحون أنفسهم، ويعصرون أذهانهم لكي يجدوا علاجاً حاسِماً لهذا المشكلة الأخلاقية التي تتمثل في معاكسة الشبان للفتيات والسيدات. نعم هو يعجب أشد العجب من هؤلاء المفكرين الذين يصوّرون هذا الأمر التافه في صورة مشكلةٍ عسيرةِ الحل، مع أنَّ حلها في نظره هيِّنٌ وبسيط جداً، فما هو إلا أن تترك الكلاب على البقر! وتبيح لكلِّ من الجنسين أن يحظى بالجنس الآخر، وأنْ يقضي منه كل وطر، وان يرى منه كل ما استتر، فلا تلبث الغرائز أن تهدأ والنفوس أن تُقَر، ويصبح الأمر بعد ذلك من المألوفات التي لا تُثير اهتماماً، والدليل على ذلك أنّ (سيادَتَهُ) قد أطلَّ من نافذته وهو يكتب هذه (الروائع) ليبعث بها هديّةً إلى بلاده من وراء البحار بمناسبة أعياد تحريرها، فراعه أن يجد أجمل السويسريات يمشين في الشوارع دون ان يلتفت لهم شابٌ، أو يعاكسهن رقيع.

ثم لم يكتفِ هذا الدَّاعِرُ الأثيم بما سطَّرّهُ قلمه من منكر القول وزوره حتى يطالبنا بأنْ نجعل الدعارة أمراً مشروعاً، فيقول:
)لماذا لا نراجع أنفسنا وقوانيننا في حدود التطور العالمي الخلقي، فللشباب ثورته ولا مفرَّ من مهادنته(

ثم هو لا يرضى بعد ذلك إلا أن يشتم وطنَه والشرق كله لأنّه لم يبح له من البهجة والنعيم ما يلقاه في الغرب الأثيم، فيقول:
)إنَّ آفة الشرق كذب في رياء، وتعلّق بالقشور دون جوهر الأشياء. الغربي يقابل الداء صريحاً ويكافحه صريحاً، والشرقيّ يحاور ويداور حتى يسقط في الميدان صريعاً او جريحاً(.

أيهما خير في نظرك أيّها الماجن الخليع الذي يقاوم دون عرضه مهما أثخنته الجراح؟
أم الذي يستسلم لعدوِّه ويلقي السلاح؟
أيشرب المريضُ السُّمَّ تعجلاً للموت، أم يكافح للعافية؟

ألا كُفِّي عنّا نباحك أيتها الكلاب المسعورة، وعليك بالغرب فإنّك واجدة فيه ما يشبع سعارك ويطفئ أوارك. أمّا الشرقُ فسيظَلُّ هو الشرق محافظاً على دينه، ومروءته، ولو كره الزنادقة الإباحيُّون "  اهـ

محمد خليل هراس


] مجلة الهدي النبوي 18/ 20-21 ] .

------------------------------------

قلت أبو عمر- : إنّ المتأمِّل لهذا المقال المختصر، ليجد الفرق بين أسلاف (السلفية) و (العلمانية)، فالفرقة الأولى تدعو إلى المكارم والفضيلة، والأخرى تدعو إلى المكاره والرذيلة، وإنّ السلفي لتقرّ عينه بما سطّره شيخ من مشايخ دعوته الغراء، ويرفع رأسه شامخاً أمام العالم ولسان حاله يقول: (أولئك آبائي..)، أما العلماني...فإنْ لم يتعفّن بعدُ بفكره الساقط المُنحل ولم ينغمس تماماً في ذلك الوحل، وبقيت فيه -شيء- الفضيلة فسيقول: (لا أوافقه) .

وإن كان علمانياً قد اشتعل عقله تعفّناً، حتى ماتت خلايا (الغيرة) و (الشهامة) و (الرجولة) و (الديانة) فيه تماماً، فسيقول مبتسماً -بوجهه القبيح الدميم- : (ولمَ لا...؟!)

الله اسأل أن يحفظ بلاد المسلمين، ويستر أعراض المؤمنين، وأن لا يعط أهل الليبراليين والعلمانيين مرادهم، ولا يحققون مناهم في النَّيل من ديننا وأعرافنا الموافقة لشرع ربنا.

والحمد لله رب العالمين.



نداءات .. ونصائح .. وإرشادات (رسالة من امرأة سلفية في حلب للعلامة عبدالرحمن الوكيل)

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

فقد اطلعت على مقال ماتع، يقر أعين أهل التوحيد والسنة، لامرأة فاضلة حلبية سلفية، يعود عمر مقالها لعام 1380هـ، قد أرسلته لسماحة الشيخ عبدالرحمن الوكيل رئيس جماعة أنصار السنة المحمدية سابقا- رحمه الله، فنشره في مجلة جماعة أنصار السنة المحمدية المعروفة بـ (مجلة الهدي النبوي( :

إلى فضيلة الشيخ المكرم عبدالرحمن الوكيل رئيس مجلة الهدي النبوي حفظه الله ورعاه-
أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، وأصلي وأسلم على المبعوث هادياً إلى الحق، ومنقذاً من الضلال إلى الهدى، أفضل الخلق وأكرمهم على الله عبدالله ورسوله محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:

فإنني قرأت في كتاب الله قوله تعالى: ((قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ((.
 وقوله تعالى : ((مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ))،
وقوله تعالى: ((إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء((
وقول تعالى: ((وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّه وَهُوَ مُحْسِنٌ((

وقرأت في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم- عن عمران بن حصين -رضي الله عنه-: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم- رأى رجلاً في يده حلقة من صفر، فقال: ما هذه؟ قال: من الواهنة، فقال: انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهناً، فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبداً))، وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه- مرفوعاً: ((من علق تميمة فلا أتم الله له، ومن علق ودعة فلا  ودع الله له))، وفي رواية: ((من علق تميمة فقد أشرك))، ولابن أبي حاتم عن حذيفة رضي الله عنه- أنه رأى رجلاً في يده خيط من الحمى، فقطعه، وتلا قوله تعالى: ((وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ((.
وفي الصحيحين عن أبي بشيرالأنصاري رضي الله عنه- أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم- ((أن لا يبقين في رقبة بعير قلادة من وتر، أو قلادة، إلا قطعت))، وفي مسند أحمد وسنن أبي داود عن ابن مسعود رضي الله عنه- قال: ((سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : ((إن الرقى والتمائم والتّولة شرك))، وفي مسند أحمد والترمذي عن عُلَيْم مرفوعاً: ((من تعلق شيئاً وُكل إليه))، وروى وكيع بن الجراح الكوفي عن سعيد بن جبير قال: ((من قطع تميمة من إنسان كان كعدل رقبة))، قال أهل العلم: له حكم المرفوع لأن مثل ذلك لا يقال بالرأي.

نعم.. قرأت كل هذا، وقرأت غيره من كتاب الله وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتأكدت من ذلك تحريم وضع الخيط من اليد والصفر بقصد الشفاء من الأمراض، وتحريم تعليق التمائم والتعاويذ على رؤوس أو صدور الأولاد والأنعام للحفظ من العين الحاسدة، وما إلى ذلك من التشبثات الشركية بنيَّة دفع الضرر، فحرمت ذلك على نفسي، وعلى أولادي، وجنَّبت بيتي بفضل الله وتوفيقه من معالم الشرك وموجبات سخط الله، ومن كمال توفيقه وفضله عليّ أنه يسر لي سبحانه دعوة الناس إلى ترك ذلك طاعة لله، واعتماداً عليه تعالى في كل أمور، وقد أقنعت بفضل الله الكثيرات من النساء، بألاّ يضعن أو يعلّقن على أولادهن شيئاً مما يضعه الجاهلات من الخرز الأزرق، والشب، وسن الذئاب، والودع، وما شاكل ذلك من التمائم .. وألاّ يحملن شيئاً من هذا القبيل، ويذَرن كل مامن شأنه أن يشوب عقيدة التوحيد، أو يوقع في الشرك الأكبر، ولكي لا يعَوِّدْنَ أولادهن على فعله بدافع التقليد والاستحسان.

كما أنه تعالى وفقني لنصح بعض الباعة في الأسواق الذي يعتمدون في جلب الرزق على الطلاسم، ونعال الدواب بتعليقها في أعالي الحوانيت، وفي دفع الأعين الحاسدة، وعلى وضع الخرز الأزرق، وتعليق بعض الأوراق طُبع عليها كفّ إنسان ورسم في وسطها صورة عين، وكتب عليه: "الحسود لا يسود"، إلى غير ذلك من التمائم والتعاويذ، وكان لا يمعني وأنا امرأة- أن أُسدي نصائحي لهؤلاء الباعة بأن يطمسوا كلّ هذه المقابح التي من شأنها أن تُبعد العبد عن ربه وتَحُول دون إخلاص العبادة له وإفراده سبحانه بها.

هذه التمائم هي التي تضرُّ الإنسانَ في عقيدته، فيتعلق قلبه بغير الله وهي التي لا تنفعه فيما من أجله علّقت، واعتمد على مالها من تأثير في زعمه، مع أنها لا تأثير لها البتة والكل بيد الله، وهو وحده الفعال لما يريد.

وكنت أقول لهم مُعالِجةً لهذه الترهات:
.. من تعبدون؟ فيقولون: الله، فأقول: ومن الذي خلق العين الحاسدة وقدّر فيها الأذى..؟ فيقولون: الله، ثم أقول: ومن يُقدِّر أرزاق العباد ويزيد فيها وينقص..؟ فيقولون: الله، فأقول: ومن الذي يضر وينفع؟ فيقولون: الله، فأقول: إذاً ما الفائدة من تعليق هذه التمائم الوتعاويذ والاعتماد عليها في جلب النفع ودفع الضر، ما دمتم تقرّون أن الله تعالى هو الفعّال المطلق..فإذا أراد الله بكم ضراً فهل تستطيع هذه التمائم دفع الضر؟ فإن قلتم: نعم، فقد جعلتم هذه التمائم والجمادات أشد قوة ورحمة من الله تعالى، وهذا كفر بواح صراح...أما إن قلتم: لا.. فلم يبق إذاً ضرورة لتعليقها والاعتماد عليها، فلماذا تفعلون ما حرم الله، وتذرون ما أحلَّ الله؟
أما شرَّع الله في تلاوة المعوذتين (الفلق والناس) لدفع أذى العين الحاسدة؟ فلم تحاولون دفع قدر الله بما حرم عليكم فعله وليس بمدفوع- ولا تدفعون قدر الله بما شرع الله ...؟ أليس منكم هذا تناقضاً مع إقراركم بأن الله هو الفعال لما يريد .. وأنه المعبود وحده؟ ... وهو الذي يقدّر الضرر...وهو الذي يدفعه وحده.

هنا ...يقتنع البعض، وتنشرح قلوب البعض من عقلائهم...ولكن تبقى الشبهة قائمة عند البعض الآخر فيحتجون قائلين: يمر علينا في اليوم الواحد عشرات المشايخ والعلماء، ولا يتعرّض أحد منهم إلى نهينا عن تعليق هذه التمائم والتعاويذ ... وإن هذه التمائم، والجلبات، والتعاويذ صنعها وكتبها بعض المشايخ أنفسهم ...؟!! فهل يعقل أنّكِ وحدكِ تعلمين الحرام والحلال وانت امرأة- ويجهلون هم..؟!! وهم المشايخ المكرمون والعلماء المحترمون...؟

فأقول: حاشا لمثل هذه الأفعال أن يؤيدها المشايخ أو يقترفها العلماء. وهؤلاء هم أبعد الناس عن هذه الموبقات لأنهم يعرفون حقائقها وأنّها من الشرك الأكبر، لا تنظروا إلى من يتزيَّنون بزيّ المشايخ والعلماء زوراً وكذباً وبهتاناً، فهؤلاء جهلة مشعوذون وليسوا بمشايخ ولا علماء. وعلى كلٍّ فالحلال حلال، والحرام حرام، ولا يتغير منها شيئاً عدم تنبيه العلماء، أو تقاعس البعض عن القيام بهذا الواجب،  والرجال يعرفون بالحق ... ولا يعرف الحق بالرجال، واعرفوا الحق تعرفوا أهله.

هذا والأمل معقود على الله ثم على أمثالكم من العلماء والعاملين في إرجاع الناس إلى الحق والصواب، أجزل الله لكم الأجر وضاعف مثوبتكم، وأحسن إليكم، إنه نصير العاملين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من أختكم في الله ((امرأة مسلمة من حلب((.

 الهدي النبوي) : جاءتنا هذه الكلمة القيمة التي تفض بالإخلاص، والدعوة إلأى التوحيد الخالص، من إحدى المؤمنات بحلب، بالإقليم الشمالي من الجمهورية العربية المتحدة، رأينا نشرها تعميماً للفائدة، والله المسئول أن ينفع بها، ويأجر صاحبتها خيراً، كفاءَ قيامها بالواجب الذي يتقاعس عنه كثير من العلماء(.



]مجلة الهدي النبوي 22 / 45-48 [ .

خطرات صايم .. بقلم العلامة عبدالظاهر أبو السمح

يظهر لي في كل عام بالتجربة من صيام شهر رمضان أن الصوم يرقق القلب، ويكسر حدة النفس الشهوية، ويجعلها إلى الخشوع أقرب، ويحد الإحساس الباطني، ويرقق الحجب الكثيفة التي تتراكم على عين البصيرة من إدمان الطعام والشراب؛ ويظهر لي أن الروح تخف أثقالها الجثمانية وأحمالها الحيوانية وتقوى وتصح في أيام الصيام، حتى أنها لتكون نافذة الإرادة في الأعمال الصالحة نفوذ السهم من الرمية.

ولا عجب أن نرى ذلك، فإنّ الطعام والشراب كثيرا ما كانا سبب التقاعد، وضعف الإرادة وطمس البصيرة، والأمراض الكثيرة الجثمانية والروحية، وثقل الحركة والسعي، فضلاً عن الجري  والسبق.

وأنه لا تكون النفوس كباراً إلا إذا تعبت في مرادها الأجسام أما من أعطى جسمه كل ما يشتهي من مأكل ومشرب وشهوة فهو إلى البهيمة أقرب، وقل هذا أن ياحق السبق، ألا ترى مروضي الخيل إذا أرادوا أن تحوز قصب السبق ضمروها ومنعوها كثيرا من العلف وربما قصروها على شرب اللبن الحليب؛ فإذا جاءت يوم الرهان كانت كالريح المرسلة، وقد قال الشاعر:

تركتُ فضولَ العيشِ حتى رددتُها
إلى دون ما يرضى به المتعفف
وأملت أن أجري سريعاً إلى العُلا
إذا شيء تموا أن تلحقوا فتخففوا

حقاً من أراد اللحاق بسرعة تخفف من الفضول.

ولذلك ترى الصوفية يوَصُّون مريديهم وتلاميذهم بالصيام، إذا لم يجدوا مثله في تأديب النفس وتربيتها وتنظيفها من أدران الشهوات ودسائس الشيطان.

وإنك لو قرأت سير السلف المتقدمين، من مشاهير العلماء الزاهدين، والحفاظ المحدثين، ووقفت على ماكان لهم من قوة إرادة وشجاعة وجرأة في مخاطبة الملوك؛ وصدعهم بالحق وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر؛ وعمارة أوقاتهم بالعبادة الكثيرة، مع تأليف الكتب والرسائل وما بارك الله لهم فيه من الوقت، لعلمت أن سبب ذلك كله الصيام.

هؤلاء الصحابة -رضي الله عنهم- على ماكانوا فيه من فقر مدقع: فتحوا الفتوح، ومصروا الأمصار؛ وأتوا بما لم يأت به أمم الحديد والنار والغازات السامة والخانقة في ربع قرن، لماذا؟ 
لأنهم كانوا كثيرون من الصيام أغلب الأيام، وكان جوعهم أكثر من شبعهم، وهؤلاء البدو لايزالون أزكى الناس، ولا سبب لذلك إلا الجوع، وخلو الجوف من الفضلات التي يعمي غازها ودخانها عين البصيرة.

ربما يقول قائل:
مالنا نشعر في الصوم بفتور، وركود ذهن؛ وميل إلى النوم، وحب الكسل، ولكن ذلك إنما يكون أول الأمر ثم يذهب، لاسيما إذا لم يظلم الصائم نفسه بملء معدته من المأكولات المختلفة عند الإفطار كأنه جاع ليشبع وفرغ معدته ليملأها فمثل هذا لابد أن يصاب بأمراض غليظة وأسقام كثيرة، وأشدها قسوة القلب وجمود العين.

وأنى لامرئ مملوء بطنه بالعذرة أن يستنير قلبه ويفهم عن الله ورسوله، اللهم عفواً وغفراً يا أرحم الراحمين.





السبت، 28 يونيو 2014

ثلاث قصص عن الصوفية يرويها العلامة عبدالرحمن الوكيل

قال العلامة عبدالرحمن الوكيل مُعلِّقاً في حاشية على كلامٍ له في مقال: (نظرات في التصوف -8-):

( لي ثلاث قصص مع ثلاثة رجال..
(1)

أما أولهم: فكان ذا منصب كبير وثقافة شاملة وتدين عميق، وكانت تصلني به رابطة قوية من القربي، وكان يتعشق التهجد بورد (ابن بشيش) (1)  فرجوته ذات مرة يرحمه الله ويغفر له- أن يتلوه، فراح يترنم به في صوت شجيٍّ نشوان النغمات محزون العَبَرات، إلى أن بلغ قول ابن بشيش: (اللهم انشلني من أوحال التوحيد) (2) .
فسألته: "هل للتوحيد وحل؟"
فإذا بالرجل الطيب النبيل يرتفض، ويصيح صيحة هي مزيج من الندم والحسرة، ثم يقول: "استغفر الله ! لقد عَبَرَ ثلاثون عاماً وأنا أسأل الله في كل سَحَرٍ أن ينقذني من طين توحيده".
ثم خرَّ ساجداً يبكي، ويستغفر، ثم همَّ في ثورةٍ إلى الكُتَيِّب الذي يحتوي على ورد ابن بشيش، راح يمزِّقه كمن لاحت له فرصة الثأر من عدوٍّ ظالمٍ مبين، ومضى الرجل الكريم يُنْذِرُ ويعظ الناسَ، حتى لقَى اللهَ هو على اليقين الثابتتتت من التوحيد الخالص

(2)
أما الثاني:
فكان أخاً لهذا الرجل العظيم، وكان مشرفاً على إدارةٍ كبير في وزارة التربية والتعليم، وقد أهَّلَهُ لهذا المنصب شهادة علمية كبيرة وإخلاص في العمل، ووداعة في الخُلق وكان يَنتسِب إلى إحدى الطرق الصوفية، وقد ضمني وإياه مجلسٌ، فراح يجادلني فيما أُدينُ به، فكان مما طالبتُهُ منه أن يفسّر لي ورد ابن بشيش، فبدهني بقوله في غضب:
"إنه سر من أسرار الواصلين لا تفقهه أنت".
فقلت له في صبرٍ يحترمُ كبر سنِّه وصِلةَ القُربى:
"إذن فاهدني مشكوراً- إلى هذه الأسرار".
لعلّه أحسَّ أنَّه خدش صلتي به بما اتّهمني به من عدم الفهم؛ إذ قال وعلى فمه نور ابتسامة:
"يا أخي إذا كنت أنت لا تعرفها، فكيف تظن أنني أعرفها؟"
فقلت:
"وهل يجوز أن ندعو اللهَ بما لا نفقه أو نُصلِّي على الرسول بما لا نفهم؟ ودعني أدلُّك على أسرار هذه الورد، فإنِّي أعرفها من كتب شيوخ الصوفية".
ثم مضيتُ أذكر له بعض ما شرحه به هؤلاء الشيوخ، وكل كلمة من هذا الشرح تُناقِضُ في ظاهرها وباطنها أصول الإسلام، غير أنَّ سطوة التصوف كانت تسيطر على قلبه، فسده دون الفهم، وقال:
"لكم دينكم ولي دين !"

(3)

أما الآخر فرجلٌ جلل الشيب رأسَه، وكان على ضعفه- الحريص على الصلاة في المساجد، والصيام في رمضان ويومي الاثنين والخميس من كل أسبوع، وكان من عُشّاق ابن بشيش وورده، فعرَّ عليَّ أن يأتي هذا الورد بُنيانه من القواعد، وأن يحبط عملَه، فأخذتُ أبين له في رفقٍ ما في الورد من ضلالة بعيدة، وهديته إلى الصلاة الشرعية على رسول الله صلى الله عليه وسلم-، وهي تلك التي نزل بها جبريل على رسول الله ويرددها المسلمون في تشهّدهم في كل صلاة.
وآمن الرجلُ، وراح يصلي على الرسول بما بين الله !! غير أنّه كان إيماناَ لا يسيطر على القلب، إيماناً يرعده الخوف من أن يكون كفراً !! إذ لقيته بعد أسبوعين، فوجدته يترنّم بورد ابن بشيش، فسألته عما حدا بع إلى العودة إليه، فقال الشيخ الهّرِمُ المُثقَّف:
"لقد سألتُ عالماً كبيراً، فأكّد لي أنّه ورد عظيم"
فقلت:
"وبم استدل الشيخ على عظمة هذا الورد؟"
فقال:
"لقد أكّد لي أنّ من قرأوه، وصلواإلى الله"
فقلت:
"وهل بُعِث واحدٌ من هؤلاء من قبره، وجاء إلى الشيخ، وأخبره بهذا؟ أو هل أرسل الله إليه رسولاً من عنده؟"
وسكت الشيخ قليلاً، فقلتُ:
"يا عم !! كيف تُصدِّق هذا الذي يزعم أنّه عالمٌ كبير، وتكذِّب عقلك الذي شهد لي أول مرَّة، وتكذِّبُ آيات القرآن؟"
فانتفض العجوز كأنّما يدفع عنه خطراً داهما، ثم قال:
"وماذا أفعل؟ فالشيخ أكبر منك سنّاً، وأعظم منك منصباً"
ثم فرَّ مذعوراً كارهاً مجلسي حتى طواهً القبر !!
يا لضيعةِ الحق إذا كان كبر السن وعظمة المنصب من أدلَّتِه فحسب !! . ) اهـ




(1)ابن بشيش: هو هو عبدالسلام بن سليمان ابن بشيش، شيخ أبي الحسن الشاذلي صاحب الطريقة الصوفية المعروفة-، صوفي خرافي أحمق، قال أبو الحسن الشاذلي أنّ شيخه دعا الله فقال: (اللهم إني أسألك اعوجاج الخلق عليّ حتى لا يكون ملجئي إلا إليك) ! هلك سنة 622هـ.

(2)ورد ابن بشيش الكفري-:
(اللهمَّ صلِّ على مَنْ منهُ انشقَّت الأسرار, وانفلقَتِ الأنوارُ، وفيهِ ارتقَتِ الحقائقُ، وتنـزَّلتْ عُلومُ آدمَ فأعجزَ الخلائقَ، ولهُ تضاءَلتِ الفُهومُ فَلمْ يُدْرِكْهُ منّا سابقٌ ولا لاحِقٌ، فرياضُ الملكوتِ بزهرِ جماله مونِقةٌ، وحياضُ الجبروتِ بِفيضٍ أنوارِهِ مُتدفّقةٌ، ولا شيءَ إلا وهوَ به منوطٌ، إذ لولا الواسِطةُ لذهَبَ كما قيلَ الموسوطُ، صلاةً تليقُ بكَ مِنكَ إليهِ كما هو أهلهُ، اللهمَّ إنّه سرُّكَ الجامعُ الدَّالُّ عليكَ، وحِجابُكَ الأعظمُ القائمُ لكَ بينَ يديكَ، اللهمَّ ألحقْنِي بنسبِهِ، وحقِّقْنِي بحسَبِهِ وعرِّفني إِيَّاهُ مَعرفةً أسْلمُ بها مِن مواردِ الجهلِ، وأكرعُ بِها مِنْ مَوارِدِ الفَضل. واحملني على سَبيلِهِ إلى حَضْرتِكَ حَمْلاً محفوفاً بِنُصْرَتِكَ، واقذفْ بي على الباطل فأدمغَهُ، وزُجَّ بي في بحار الأَحَدِيَّة، وانشُلني من أَوْحالِ التَّوحيدِ، وأغرقني في عين بحْرِ الوَحدةِ، حتى لا أرى ولا اسمَعَ ولا أَجِدَ ولا أُحِسَّ إلا بها، واجعلْ الحِجابَ الأعظمَ حياةَ رُوحي، ورُوحَهُ سِرَّ حقيقتي، وحقيقَتَهُ جامعَ عَوالمي، بتحقيقِ الحقِّ الأوّلِ، يا أَوّلُ يا آَخِرُ يا ظاهِرُ يا باطنُ، اسمع ندائي بما سمعْتَ به نداءَ عبدِكَ زكريا، وانصُرني بكَ لكَ، وأيّدني بكَ لكَ، واجمعْ بيني وبينَك وحُلْ بيني وبينَ غَيرِك، اللهُ، اللهُ، اللهُ ((إنَّ الذي فرضَ عليْكَ القُرآنَ لرادُّكَ إلى معادٍ))، ((ربَّنا آتِنَا مِنْ لدُنْكَ رحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً))
                                                                            

(3)]مجلة الهدي النبوي/العدد (11)/ عام 1380هـ/ صـ28-29[ .

العلامة أحمد شاكر لا يكفر رجال القانون المصريين


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فهذا كلام للشيخ المُحدّث أحمد شاكر –رحمه الله- واضح جلي منه على عدم تكفير رجال القانون، الصانعين للدستور الوضعي في مصر.
قال –رحمه الله- :
" يا رجال القانون في مصر، بكم ابدأ دعوتي، وأنتم أصحاب السلطان في البلد وبيدكم الأمر والنهي، انتم الذين تضعون القوانين، ولجانكم تعمل الآن في تعديلها على مبادئ التشريع الحديث، تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم، نضع أيدينا فيايديكم ونعمل مخلصين لله، أنتم أعلم بأسرار القوانين، ونحن أعلم بالكتاب والسنة وأسرار الشريعة منكم، فإذا تعاونّا أخرجنا أبدع الآثار.
دعوا التعصب لتشريع الإفرنج وآراءهم، ولا أقول لكم سندع التعصب للإسلام من جانبنا، بل أدعوكم إلى التعصب له معنا، فإنكم مسلمون مثلنا ،سؤالنا وسؤالكم عنه واحد بين يدي الله يوم القيامة، ولن تقبل منكم معذرتكم بأنكم لستم من رجال الدين، فالناس سواء في وجوب طاعة الله والآخرة خير من الأولى: ((يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم)).



]مقال: الكتاب والسنة يجب أن يكونا مصدر التشريع في مصر صـ20-21، بعناية الأخ/ محمد عوض عبدالغني المصري، ط. دار الاسقامة[.

وجها لوجه مع الصوفية (الشيخ عبدالرحمن الوكيل والشيخ رشاد الشافعي)

(( وجها لوجه مع الصوفية )) (1)


 دعت الرابطة الإسلامية إلى محاضرة عن التصوّف يقوم بها شيخان من شيوخ التصوف، أحدهما الأستاذ زكي إبراهيم -رائد العشيرة المحمدية- ، وذهب للاستماع لهذه المحاضرة وفد كبير من الجماعة. ومضى المحاضر الأول يسبغ المحامد والثناء على شيوخ التصوف دون أن يذكر الأسباب التي استحقوا بها هذه المحامد والثناء، اللهم إلا أن نأذن للعقول أن تقلب معايير القيم، ودلائل المفهومات.

 ثم قام الأستاذ محمد زكي إبراهيم وراح ينعي على من سماهم (المُتمَصْوِفة) (2) ويعتذر عن شطحات الصوفية بأنّها مدسوسة عليهم، وذَكَرَ فيما ذكر سيرةَ شيخ الإسلام ابن تيمية ونقدَه الهادف القيِّم للمُتَمَصْوِفة، وأعلن الأستاذ أنّه لا يتشبَّثْ مطلقاً باسم (الصوفية) ليمتاز به فريقٌ من الناس، وكان في أغلب ما تناوله يحاول التنصّل مما أُثِر عن الحلّاج وابن عربي وغيرهما من القول بالحلول ووحدة الوجود، حتى لقد ظن كثير من الحاضرين أن الأستاذ المحاضر يحارب الصوفية، ولا يدعو إليها، ثم دعا الحاضرين إلى حرب الصهيونية، والوجودية، والشيوعية.

 وعقب انتهاء المحاضر قام الأخ الأستاذ الشيخ عبدالرحمن الوكيل وعرض نبذةً يسيرة من تاريخ الصوفية، ثم ألقى من حفظه نصوصاً دامغاتٍ عمّا يدين به الحلّاج وابن عربي وابن الفارض من دينٍ وثنيٍّ يخالف روح الإسلام وحقيقته، وقال: "كيف يزعم أتباع هؤلاء أنّهم يجاهدون الصهيونية وابن عربي وابن الفارض يُصوِّبان كلَّ دينٍ؟ كيف يزعمون أنّهم يحاربون الوجودية وهي شقشقاتٌ من دين الصوفية؟ ".

 ثم قال للشيخ محمد زكي إبراهيم : "لئن كُنتَ تُقِرُّ بأنَّ ما أقولُه هنا عن أولئك مدسوسٌ عليهم فأعلِن هذا في صحيفتِك، وبيْنَ جماعتك، حتى لا يتعبّد به أتباعُ أولئك، لا يكفينا أن تقول هنا، بل نحب أن تقوله هناك أيضاً كما قلته هنا تماماً، ثم إنّك أيها الأستاذ الكبير، قلت عن ابن تيمية إنّه حارب المتصوفة، والذي نراه في كتب ابن تيمية حربه للحلّاج ولابن عربي ولابن فارض، وللجيلي وللقونوي، ولابن سبعين، والصدر الرومي وغيرهم؛ فهل تلقِّب هؤلاء بالمتصوفة أيضاً؟ لئِن قلت إنّهم لا يمثلون رأي الصوفية، فأنعِم بقولك هذا وأحبب به، لأنّه معول يهدم كلَّ بناءٍ صوفيٍّ فما شيَّدَ صنم الصوفية إلا هؤلاء".

 ثم عرَّضَ الأخُ الأستاذ الشيخ عبدالرحمن لِما اعتذر به الشيخ المحاضر عن الشعراني، وذكر الأخ عبدالرحمن بعضَ ما في كتب الشعراني من تمجيدٍ للخطايا، واعتبارها كراماتٍ للأولياء، وكان مع الأستاذ عبدالرحمن الوكيل الكتب التي يستند إليها في كل ما يقول، حتى لا يستطيع صوفيٌّ من المحاضرين أن ينْبس ببنت شفة من معارضة.

 ثم قام الأخ رشاد الشافعي وكان مما قاله: "لقد جئتُ متحفِّزاً متوثّباً ضد ما سيُقال هنا، ولكن الشيخ زكي إبراهيم كان لبِقاً، فأدار الدفّةَ وجهة الحق، وتنصّل من كل تراث أولئك الذين تحدث عنهم الأخ عبدالرحمن، وهذا ما كنا نحب أن نسمعه، ولها أسجل على الأستاذ المحاضر ما قال، ثم أقول له: إذن نلتقي".

 وقام الأستاذ المحاضر الشيخ محمد زكي إبراهيم، وكان مما قال: "هل إذا تركنا ما قال أولئك السبعة الذين ذكرهم الأستاذ عبدالرحمن نلتقي معكم؟" وصاح الكثير: نعم نلتقي ؛ وقال الأستاذ الشيخ عبدالرحمن الوكيل: "لأنّك إذا تركتهم تركت كل التراث، أو بمعنى آخر: لن تكون صوفياً، فهؤلاء هم الكبار جداً، من مشايخ الصوفية، بل هم المرجع والمآب للصوفية".

 ولقد كان هذا القول من الأستاذ محمد زكي إبراهيم قبضةً من حديد تهوي على رأس الصنم الأكبر، أو كان تجريداً للصوفية من محل مقوماتها.

 ثم قام الشيخ محمود حسن ربيع –وهو من علماء الأزهر- وقال: "إنّ الأقوال التي قالها هؤلاء المشايخ صدرت عنهم في لحظاتِ جنونٍ" فقال الأستاذ عبدالرحمن: "ولا يجوز أن نتّخذ المجانين أئمة لنا في الدين" وقال الشيخ ربيع أيضاً: "أو هي مدسوسة عليهم أيضاً كما قال الأستاذ محمد زكي إبراهيم" وقال الأستاذ عبدالرحمن: "ولا يجوز أن نجعل دسائس الوثنية دينا لنا".

ثم انصرف الكثير، وبقي بعض الإخوان ليستمعوا إلى ما سوف يُقال بعد انصراف الأخ الشيخ عبدالرحمن والإخوان الذين انصرفوا معه.

وكان من المُدهِش الذي فغر العجب له فاه من الدهشة أن يقوم الشيخ ربيع ليهاجم أنصار السنة، وهو الذي لم يستطع حتى أن يرمز من بعيد إلى شيء من هذا قبلُ، ووقف في وجهه كثيرٌ من الأخوان، وتولّى الرد عليه الأخ حسن كرّار ، وكان ردّاً مُفحماً، أو قُل ردّاً صاعِقاً. وهكذا انتهت المعركة بانتصارٍ ساحقٍ لصولةِ الحقِّ القاهرة، وأثبت هذا تلك الحقيقة التي تؤمن بها، وهي أنّ باطل الصوفية يخنس دائماً أمام الحق، ويفرّ مذعوراً منه.

 ----------------------------------------

1. مجلة الهدي النبوي (21/425-427) . 2. يعني بهم من ينتسبون إلى الصوفية وهم ليسوا من رجالها، ولا على بيّنة من رسومها.

أسباب اختلاف الفقهاء (للعلامة عبدالرزاق عفيفي -رحمه الله-) .

أسباب اختلاف الفقهاء
لفضيلة الشيخ / عبدالرزاق عفيفي –رحمه الله-
نائب رئيس لجنة الإفتاء (سابقاً) ورئيس جماعة أنصار السنة المحمدية (سابقاً)



الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له وأشهد انَّ محمداً عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وصحبه، وبعد:
فمصادر التشريع الإسلامي: هي كتاب الله تعالى، وسنة رسوله محمد –صلى الله عليه وسلم- وما تفرّع عليهما من الأدلة كالإجماع والقياس، وما تضمّنه كلٌّ منهما من مقاصد الشريعة العامة وقواعدها الكلية.
إن مصادر الشريعة وما تضمّنته من القواعد العامة، أو تفرّع عنها من الأدلة الكليّة لا تنهض بالباحث لمجرّد اطّلاعه عليها، أو حفظه إيّاها، بل لا بد له إلى جانب ذلك من مَلَكة علميّة يقتدر بها على إثبات صحّتها في نفسها، وسلامة الاحتجاج بها على المطالب التي وقع النّزاع فيها، ودار الأخذ والرد حولها، والدّراية بتطبيقها على الوقائع الجزئية، والدربة على ذلك، مع معرفة أعراف الناس، وما يحيط بهم من ظروف مختلفة، وأحوال متباينة، لما لذلك من أثرٍ بين صحة التّطبيق ودِقّته، والسلامة من إدراج الواقعة في غير قاعدتها، أو إلحاقها بغير نظيرها.
ولا يسمو الإنسان بنفسه عن حضيض الأُمّية حتى يكون له من الاستعداد العلمي، والقوة الفكرية ما يمكنه من استثمار الاحكام من أدلتها التفصيلية، على ضوء قواعد الشريعة الكلية ومقاصدها العامة.
لقد بذل كثيرٌ من سلف هذه الأمة، والقليل من المتأخّرين وسعهم في استثمار مصادر الشريعة، واجتهدوا طاقتهم في استنباط الأحكام: أصولها وفروعها منها، وإن اختلفت آراؤهم تبعاً لاختلاف مناهجهم في البحث، ولاختلاف الأصول التي وضعها كل منهم لنفسه، ليبني عليها في فهمه للأحكام، ولهذا تركوا لنا ثروة علمية في التوحيد والفقه والأخلاق لم يحلم بها عهد من عهود في أُمّةٍ أخرى من الأُمم، وفتحوا لنا باب البحث، ورسموا لنا طريق لاجتهاد، ويسّروا مسالكها بما آتاهم الله من سعة الفكر، وبعد نظر، وسلاة فكرة، وحسن القصد، وقوة البيان.
لم يكن اختلاف سلفنا الصالح فيما استنبطوه من الأحكام وليد الهوى والشهوة، ولا عن زيغٍ وانحرف، ولا كان رميةً من غير رامٍ وإنما كان عن أسباب يُعذَر لمثلها المخطئ ويؤجر أجراً واحداً، ويُحمَد المصيب ويؤجر أجرين، فضلاً من الله ورحمة، والله عليم حكيم.
وأسباب الاختلاف في الأحكام كثيرة:-
منها: الإجمال في لفظ الدليل،
ومنها: التعارض بين الدليلين مع الاختلاف في الجمع بينهما، أو ترجيح احدهما على الآخر،
ومنها: اختلاف في نسخ الدليل وإحكامه،
ومنها: الاختلاف في صحة الدليل، فيصلح للاستدلال به عند جماعة، ولا تقوم به الحجة عند آخرين،
ومنها: الاختلاف في القاعدة الأصولية،
ومنها: الاختلاف في مناط الحكم،
ومنها الاختلاف في تحقيق مناط الحكم بعد الاتفاق على المناط نفسه.
إلى غير هذا من الأسباب التي كانت مثار خلاف بين العلماء، ولا ضَيْرَ عليهم في ذلك ما دام رائدهم الحق، ومقصدهم الوصول إلى الصواب، ومنهاجهم البحث البريء من التعنّت والعناد، وتجنّب المراء والجدل بالباطل، ولهذا أَنْصَف  السلف الصالح بعضُهم بعضاً، واستسلموا للحقّ عند ظهوره، ولم يكن بينهم الهُراء ولا التنابز بالألقاب كما حدث بين من جاء بعدهم من الباحثين.
وقد ألّف كثيرٌ من العلماء قديماً وحديثاً كُتُباً في بيانِ منشأ الخلاف وأسبابه، من ذلك:
كتاب "التمهيد في تخريج الفروع على الأصول" للشيخ عبدالرحيم الأسنويّ، وكتاب "تخريج الفروع على الأصول" للشيخ محمود الزنجاني، وكتاب "الإنصاف في بيان أسباب الاختلاف" للشيخ وليّ الله الدهلوي، وكتاب "أسباب اختلاف الفقهاء" للشيخ علي الخفيف، ثم الكُتب المؤلّفة في علم الخلاف مملوءة بتحرير محل النّزاع ببيان ما اتّفق عليه العلماء وما اختلفوا فيه، مع بيان منشأ الخلاف في محل النّزاع.
والحكم على الشيء بالخطأ او الصواب مما تختلف فيه الأنظار، وتتفاوت فيه مدارك العلماء، وليس هناك معصوم إلا من عصمه الله.
فالله المستعان، ومنه المدد والإلهام، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

[مجلة التوحيد / السنة العشرون العدد 12 صـ14] .