(( وجها لوجه مع الصوفية )) (1)
دعت الرابطة الإسلامية إلى محاضرة عن التصوّف يقوم بها شيخان من شيوخ التصوف، أحدهما الأستاذ زكي إبراهيم -رائد العشيرة المحمدية- ، وذهب للاستماع لهذه المحاضرة وفد كبير من الجماعة. ومضى المحاضر الأول يسبغ المحامد والثناء على شيوخ التصوف دون أن يذكر الأسباب التي استحقوا بها هذه المحامد والثناء، اللهم إلا أن نأذن للعقول أن تقلب معايير القيم، ودلائل المفهومات.
ثم قام الأستاذ محمد زكي إبراهيم وراح ينعي على من سماهم (المُتمَصْوِفة) (2) ويعتذر عن شطحات الصوفية بأنّها مدسوسة عليهم، وذَكَرَ فيما ذكر سيرةَ شيخ الإسلام ابن تيمية ونقدَه الهادف القيِّم للمُتَمَصْوِفة، وأعلن الأستاذ أنّه لا يتشبَّثْ مطلقاً باسم (الصوفية) ليمتاز به فريقٌ من الناس، وكان في أغلب ما تناوله يحاول التنصّل مما أُثِر عن الحلّاج وابن عربي وغيرهما من القول بالحلول ووحدة الوجود، حتى لقد ظن كثير من الحاضرين أن الأستاذ المحاضر يحارب الصوفية، ولا يدعو إليها، ثم دعا الحاضرين إلى حرب الصهيونية، والوجودية، والشيوعية.
وعقب انتهاء المحاضر قام الأخ الأستاذ الشيخ عبدالرحمن الوكيل وعرض نبذةً يسيرة من تاريخ الصوفية، ثم ألقى من حفظه نصوصاً دامغاتٍ عمّا يدين به الحلّاج وابن عربي وابن الفارض من دينٍ وثنيٍّ يخالف روح الإسلام وحقيقته، وقال: "كيف يزعم أتباع هؤلاء أنّهم يجاهدون الصهيونية وابن عربي وابن الفارض يُصوِّبان كلَّ دينٍ؟ كيف يزعمون أنّهم يحاربون الوجودية وهي شقشقاتٌ من دين الصوفية؟ ".
ثم قال للشيخ محمد زكي إبراهيم : "لئن كُنتَ تُقِرُّ بأنَّ ما أقولُه هنا عن أولئك مدسوسٌ عليهم فأعلِن هذا في صحيفتِك، وبيْنَ جماعتك، حتى لا يتعبّد به أتباعُ أولئك، لا يكفينا أن تقول هنا، بل نحب أن تقوله هناك أيضاً كما قلته هنا تماماً، ثم إنّك أيها الأستاذ الكبير، قلت عن ابن تيمية إنّه حارب المتصوفة، والذي نراه في كتب ابن تيمية حربه للحلّاج ولابن عربي ولابن فارض، وللجيلي وللقونوي، ولابن سبعين، والصدر الرومي وغيرهم؛ فهل تلقِّب هؤلاء بالمتصوفة أيضاً؟ لئِن قلت إنّهم لا يمثلون رأي الصوفية، فأنعِم بقولك هذا وأحبب به، لأنّه معول يهدم كلَّ بناءٍ صوفيٍّ فما شيَّدَ صنم الصوفية إلا هؤلاء".
ثم عرَّضَ الأخُ الأستاذ الشيخ عبدالرحمن لِما اعتذر به الشيخ المحاضر عن الشعراني، وذكر الأخ عبدالرحمن بعضَ ما في كتب الشعراني من تمجيدٍ للخطايا، واعتبارها كراماتٍ للأولياء، وكان مع الأستاذ عبدالرحمن الوكيل الكتب التي يستند إليها في كل ما يقول، حتى لا يستطيع صوفيٌّ من المحاضرين أن ينْبس ببنت شفة من معارضة.
ثم قام الأخ رشاد الشافعي وكان مما قاله: "لقد جئتُ متحفِّزاً متوثّباً ضد ما سيُقال هنا، ولكن الشيخ زكي إبراهيم كان لبِقاً، فأدار الدفّةَ وجهة الحق، وتنصّل من كل تراث أولئك الذين تحدث عنهم الأخ عبدالرحمن، وهذا ما كنا نحب أن نسمعه، ولها أسجل على الأستاذ المحاضر ما قال، ثم أقول له: إذن نلتقي".
وقام الأستاذ المحاضر الشيخ محمد زكي إبراهيم، وكان مما قال: "هل إذا تركنا ما قال أولئك السبعة الذين ذكرهم الأستاذ عبدالرحمن نلتقي معكم؟" وصاح الكثير: نعم نلتقي ؛ وقال الأستاذ الشيخ عبدالرحمن الوكيل: "لأنّك إذا تركتهم تركت كل التراث، أو بمعنى آخر: لن تكون صوفياً، فهؤلاء هم الكبار جداً، من مشايخ الصوفية، بل هم المرجع والمآب للصوفية".
ولقد كان هذا القول من الأستاذ محمد زكي إبراهيم قبضةً من حديد تهوي على رأس الصنم الأكبر، أو كان تجريداً للصوفية من محل مقوماتها.
ثم قام الشيخ محمود حسن ربيع –وهو من علماء الأزهر- وقال: "إنّ الأقوال التي قالها هؤلاء المشايخ صدرت عنهم في لحظاتِ جنونٍ" فقال الأستاذ عبدالرحمن: "ولا يجوز أن نتّخذ المجانين أئمة لنا في الدين" وقال الشيخ ربيع أيضاً: "أو هي مدسوسة عليهم أيضاً كما قال الأستاذ محمد زكي إبراهيم" وقال الأستاذ عبدالرحمن: "ولا يجوز أن نجعل دسائس الوثنية دينا لنا".
ثم انصرف الكثير، وبقي بعض الإخوان ليستمعوا إلى ما سوف يُقال بعد انصراف الأخ الشيخ عبدالرحمن والإخوان الذين انصرفوا معه.
وكان من المُدهِش الذي فغر العجب له فاه من الدهشة أن يقوم الشيخ ربيع ليهاجم أنصار السنة، وهو الذي لم يستطع حتى أن يرمز من بعيد إلى شيء من هذا قبلُ، ووقف في وجهه كثيرٌ من الأخوان، وتولّى الرد عليه الأخ حسن كرّار ، وكان ردّاً مُفحماً، أو قُل ردّاً صاعِقاً. وهكذا انتهت المعركة بانتصارٍ ساحقٍ لصولةِ الحقِّ القاهرة، وأثبت هذا تلك الحقيقة التي تؤمن بها، وهي أنّ باطل الصوفية يخنس دائماً أمام الحق، ويفرّ مذعوراً منه.
----------------------------------------
1. مجلة الهدي النبوي (21/425-427) . 2. يعني بهم من ينتسبون إلى الصوفية وهم ليسوا من رجالها، ولا على بيّنة من رسومها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق