السبت، 6 أكتوبر 2018

تنبيه الشيخ عبدالله العبيلان على خطورة تفصيله في الكلام على الحكام


الحمدلله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد:
فموضوع هذا التعقيب أن الشيخ عبدالعزيز الريس –حفظه الله- قرر في محاضرة مفرغة بعنوان (إرشاد الأنام إلى حكم الكلام في الحكام) جواز نقد الحكام المسلمين علناً باستثناء حاكمه إذا تبين له رجحان المصلحة في ذلك، واستدل بنصوص عامة وقواعد لم يوفق في تحقيقها وتطبيقها.

فردّ عليه الشيخ فيصل بن قزار الجاسم –حفظه الله-، وبيّن  بطلان قوله، ومخالفته لمنهج أهل السنة والجماعة، وفنّد أدلته، في مقال نافع بعنوان (الرد على الشيخ عبدالعزيز الريس في بعض تقريراته لبعض مسائل الإمامة) وهذا رابطهُ فليراجع:
ثم علق على مقاله الشيخ عبدالله بن صالح العبيلان –حفظه الله- بكلام مختصر جداً، لم يبيّن فيه ما خالف به الشيخ الجاسم منهج السلف، واكتفى بالاستدلال على قول الشيخ الريس بأدلة .. زادت قولهم تعقيداً .. بل تشويهاً!

استدل الشيخ –حفظه الله- على جواز قوله بعموم قوله تعالى: ((ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغي عليه لينصرنه الله إن الله لعفو غفور))، و ((فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم))، و ((لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالاً ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم والله عليم بالظالمين(*)لقد ابتغوا الفتنة من قبل وقلبوا لك الأمور حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون)).
إلى هنا قد يوافق البعضُ  الشيخَ فيذهبون لجواز الإنكار على الحاكم المسلم الباغي –غير حاكمه- أو حكومته وإعلامه .. بناءً على فهمهم للأدلة -وهذا فهم خاطئ كما سيأتي بيانه- لكن الأمر عند الشيخ العبيلان –وفقه الله- لا يقف عند هذا الحد فحسب.
بل قال:
(وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه" رواه مسلم، زاد النسائي وأحمد "كائناً من كان"، فقوله "كائناً من كان" أي مهما كانت منزلته تجب مدافعته ولو بلغ ذلك إلى حد قتله، وهذا يشمل الحكّام لدول أخرى! إذا اعتدوا على بلد مسلم وأرادوا زعزعته وتفريق جماعه سواء عن طريق الإعلام وهو أخطر الوسائل اليوم، او عن طريق المؤامرات والتحالف مع أهل البدع مثل الرافضة والصوفية ضد أهل السنة والجماعة، فإنه يتعين على أهل العلم وهم قدوة المجتمع أن يردوا عليهم ويفضحوا مخططاتهم، فكيف إذا كانت البلاد المستهدفة هي بيضة المسلمين ومأرز الإيمان، فالقول بأن العلماء يسكتون والحالة هذه ..قول مخالف لكتاب والسنة ومقاصدهما، فكيف يكون موافقاً لمنهج السلف.
والخلاصة أنه إذا وجد الضرر على المسلمين من أي شخص مهما علت منزلته فإنه يجب الرد عليه من أهل العلم).

نحرير محل النزاع:
يرى الشيخ العبيلان –حفظه الله- أن الأصل تحريم الخروج والإنكار على الحاكم المسلم الظالم الفاسق، سواء كان حاكم بلده أو غيره من الحكام المسلمين، إلا إذا تسبب حاكمٌ مسلم في زعزعة أمن بلد مسلم آخر، فإنه حينئذ يتعين على العلماء التحريض على الحاكم المعتدي، وفضح أمره، واستحلال دمه، امتثالاً للحديث السابق.

والرد على فضيلته بإجمال وتفصيل:
الرد المجمل:-
1-              ذكر الشيخ –حفظه الله- في مطلع مقاله أنه قرأ رد الشيخ فيصل قزار على الشيخ عبدالعزيز الريس، فظننت أنه سيرد على شيء من محتواه، ولكنه اكتفى بإضافة أدلة عامة لا تسعف ماذهب إليه والشيخ الريس، بل زاد فتوى خطيرة! مع أن الشيخ فيصل -حفظه الله- أشبع الرد، ودلل على بطلان تقريرات الشيخ الريس -وفقه الله- وأثبت بالأدلة الواضحة أنه خالف منهج السلف، وأنه وقع في تناقض كبير.
2-              استدل الشيخ بثلاثة أدلة على جواز الإنكار على غير حاكم بلده، وهو أمر يحتاج إلى دليل مخصص صريح لعموم أدلة تحريم الخروج والاعتداء على الحاكم المسلم.
3-              أفتى الشيخ –عفا الله عنه- بوجوب تحريض علماء البلد على أي حاكمٍ مسلمٍ إذا تسبب في زعزعة أمن بلده، فعليهم أن يفضحوا أمره ويبينوا عواره .. وقد يصل إلى قتله ! ومنع سكوتهم على ذلك، ومن سكت  .. كان مخالفا للكتاب والسنة ومنهج السلف، ولم يستدل الشيخ على ذلك بدليل صريح صحيح.
4-              لم يبين الشيخ مَن الطائفة المخاطبة بقتل الحاكم الباغي هذا، هل هم شعبه أم الشعب الذي بغى عليه، وما حكم ولايته، وما واجب شعبه تجاهه؟ كل هذه الإشكالات تركها الشيخ تسرح في الأذهان دون أي توجيه منه، والله المستعان.
5-              قال الشيخ –وفقه الله- أن ما قرره هو منهج السلف وماتضمنته أدلة الكتاب والسنة ومقاصدهما، ولم يستدل على ذلك.
6-              أفتى الشيخ بهذه الفتوى بناء على مصلحة مظنونة لطائفة معينة من المسلمين، وفاته الالتفات إلى المصلحة العامة، فلم ينظر للمفاسد والمصائب الناجمة عن هذه الفتوى الخطيرة.
7-              لم يأتِ الشيخ بفتاوى العلماء، ولم يذكر سلفه في هذه الفتوى، فمن الضروري لفتوى نازلة كهذه أن تعتضد بفتوى كبار العلماء أمثال أصحاب الفضيلة سماحة المفتي عبدالعزيز آل الشيخ أو صالح الفوزان أو صالح اللحيدان أو عبدالمحسن العباد ومن في طبقتهم، فهم الذين يفتون في النوازل، وهم أعلم الناس بالمصالح والمفاسد.
الرد المفصل:

إن الأدلة العامة التي اعتمدت عليها تخصصها الأحاديث الكثيرة المتواترة في الصبر على الحاكم وعدم الانقياد له في معصية الله، فشأن الحاكم أعظم من شأن المحكومين، وله أحكام أخص من عموم المسلمين.
ففي الحديث: (يكون بعدي أئمة لايهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشيطاني في جثمان إنس، قال حذيفة: كيف أصنع يا رسول الله إن أدركتُ ذلك؟ قال: تسمع وتطيع للأمير، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع) [رواه مسلم (4813)] 
قال الشوكاني: (فيه دليل على وجوب طاعة الأمراء وإن بالغوا في العسف والجور إلى ضرب الرعية وأخذ أموالهم فيكون هذا مخصصاً لعموم قوله تعالى: ((فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم)) وقوله: ((وجزاء سيئة سيئة مثلها)) )اهـ [نيل الأوطار 7/209].

إذا جار الحاكم المسلم (أ) على أخيه المسلم الحاكم (ب) فزعزع أمن بلده، وكاد له، ومكرَ به، وبغى وطغى، وكان شعب البلدين تربطهما قرابة الدين والنسب وتسودهم المحبة والأُلفة ..
ففي هذه الحالة..
مَن المكلف بالخطاب في الحديث النبوي الذي استدللت به .. مَن المأمور بالقتال؟ هل شعب (أ) أم شعب (ب) أم كلاهما؟ هذا ما لم تبيّنه فضيلة الشيخ وما كان ينبغي أن تترك الفتوى عائمة، فيتلقفها أهل الأهواء ويضعون عليها الأقيسة ثم يقولون: أفتى بقتل الحاكم (فلان) العبيلان !!
على كل..
لاشك أن الحاكم (أ) فاسق فاجر ظالم، وبغيه هذا .. لا يخرجه من دائرة الإسلام، لكن لا يحق لشعبه أن يخرجوا عن طاعته، ولا أن يخلعوا بيعته، إذ لا تسقط ولاية الحاكم المسلم عند أهل السنة والجماعة إلا بكفره أو نهيه عن الصلاة كما هو مقرر.
فعن عوف بن مالك –رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم وتصلون عليهم ويصلون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم، قلنا يا رسول الله أفلا ننابذهم؟ قال: لا ما أقاموا فيكم الصلاة، ألا من ولي عليه والٍ فرآه يأتي شيئاً من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله، ولا ينزعن يداً من طاعة) [رواه مسلم (1855)]، وهذا الحديث هو عمدة الباب.
وعن ابن عباس –رضي الله عنهما- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من كره من أميره شيئاً فليصبر، فإنه من خرج من السلطان شبراً مات ميتة جاهلية) رواه الشيخان، وقوله (شيئاً) أي أيّ شيء يكرهه فليصبر.
وأما قتل الحاكم:
فعن أبي البختري -رحمه الله- قال: قيل لحذيفة: ألا تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ قال: (إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لحسنٌ، ولكن ليس من السنة أن ترفع السلاح على إمامك).
وأما الكلام عليه: فعن أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال: إياكم ولعن الولاة، فإن لعنهم الحالقة، وبغضهم العاقرة، قيل يا أبا الدرداء! فكيف نصنع إذا رأينا منهم ما لا نحب؟ قال: اصبروا، فإن الله إذا رأى ذلك منهم حبسهم عنكم الموت) [رواه ابن أبي عاصم في السنة برقم 1050].
وعن أنس بن مالك –رضي لله عنه- قال: (أمرنا أكابرنا من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن لا نسب أمراءنا، ولا نغشهم، ولانعصيهم، وأن نتقي الله ونصبر، فإن الأمر قريب).
فبالتالي .. لايحق للشعب (أ) الخروج على حاكمه، ولو خرجت فئة منهم كانو خوارج، واستحقوا القتل بمنطوق الحديث الذي استدل به الشيخ العبيلان –سدده الله- وغيره من الأدلة السالفة.
فهل المطالبون بمفهوم الشيخ الذي تقدم للحديث هم شعب (ب) ؟ ..
إنّ الحكم الذي يفصل بيني وبين الشيخ –حفظه الله- هو الكتاب والسنة، ومنهج السلف، فدعونا نرجع في تاريخ الإسلام إلى زمن الدولة العباسية، ولنأتِ بأمثلة واقعية شهدها السلف الكرام، حتى يخرج كلامنا عن (مجرد رأي) وحتى لا يظن أن الخلاف سُنِّي قابل للأخذ والرد، فإن أثبتُّ صحة دعواي بعمل السلف، وجب اتباعهم، فهم أئمة الهدى ومصابيح الدجى ومن تبعهم نجى:
لما انقسمت الخلافة الإسلامية إلى دولة بني العباس ودولة بني أمية (في الأندلس)، سعى الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور لضم الأندلس تحت حكمه وعرض على العلاء بن مغيث النزول تحت ولايته ووعده بإمارة الأندلس إن غلب عبدالرحمن بن معاوية، فأخذ العلاء يدعو الناس لولاية المنصور سراً، ثم أعلن دعوته، فلما علم عبدالرحمن بن معاوية بفعلته .. قتله، وأرسل برأسه إلى أبي جعفر (انظر: تاريخ افتتاح الأندلس لابن قوطية صـ91-92).
فلم يدعُ علماء الأندلس إلى قتل الخليفة العباسي -مع زعزعته لأمن بلدهم وتحريضه- بل أقر أئمة السنة ولاية كلا منهما، وعلى رأسهم شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-، قال: (لما انتقل الأمر إلى بني العباس تولوا على بلاد العراق والشام ومصر والحجاز واليمن وخراسان وغيرهما مما كان قد تولى عليه بنو أمية إلا بلاد المغرب، فإن الأندلس تولى عليه بنو أمية، وبلاد القيروان كانت دولة بين هؤلاء وهؤلاء) [منهاج السنة النبوية 4/542].
وكانت الأمصار في دولة بني العباس وغيرها متفرقة، فهذا نائبُ خليفةٍ يتغلب، وذاك يطمع فيعتدي، فما قرأنا لابن أبي زمنين وقد عاصر الخليفة العباسي في المشرق والأموي في المغرب، ولا محمد بن نصر المروزي الذي عاش في نزاعات الدولة السامانية مع العباسيين وعاصر الدولة الطولونية في مصر والشام التي لم تكن تحت طوع العباسيين، ولا قرأنا في كتب العقائد المسندة للخلّال والآجري وابن بطة العكبري وابن أبي عاصم واللالكائي وأحمد وابن تيمية وابن القيم يأمرون بسفك دم حاكم أو يحرضون على خليفة مسلم في منابرهم، ولا أنهم وأجبوا على العلماء استحلال دم حاكم باغٍ من حكام المسلمين، حتى الدويلات المستقلة المنشقة عن الإمامة العظمى.
وقد نقل القاضي عياض قول المازري: (الإمام العدل لا يجوز الخروج عليه باتفاق، فإذا فسق وجار؛ فإن كان فسقه كفراً وجب خلعه، وإن كان ما سواه من المعاصي فمذهب أهل السنة أنه لا يخلع، واحتجوا بظاهر الأحاديث وهي كثيرة، ولأنه قد يؤدي خلعه إلى إراقة الدماء، وكشف الحريم، فيكون الضرر بذلك أشد من الضرر به، وعند المعتزلة أنه يخلع، وهذا في إمامٍ عقد له على وجه يصح ثم فسق وجار) [إكمال المعلم 6/246].
فإن قيل ما الواجب الشرعي نحو الإمام (أ) المعتدي، قلنا ما قاله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (على المرء السمع والطاعة فيما أحب وكره مالم يؤمر بمعصية الله، فإذا أُمر بمعصية الله فلا سمع ولا طاعة) متفق عليه.
فعلى شعبه السمع والطاعة في غير معصية، وعلى الولاة المسلمين أن يصلحوا ما استطاعوا، وأن يحقنوا الدماء، وأن يتقوا الله في أعراض المسلمين، ولازالت المساعي على قدم وساق من أهل الخير.
كما لا يعقل أن يأتينا قائل فيقول: هذه مسألة حادثة لم تحدث في زمن السلف؟! إذ كيف تغلب المتغلبون، وكيف سقطت الخلافات السابقة؛ فكيف يقول عاقل أنها حادثة؟!
وهذه جملة من الأسئلة والإشكالات الواردة على القول بوجوب مقاتلة الحاكم الباغي:
1-              ماذا لو ذهب نفر من شعب (ب) واغتالوا الحاكم (أ) .. هل يعد فعلهم قربة من القربات التي يؤجرون عليها فضيلة الشيخ؟
2-              ما حكم شعب (أ) إن لم تثبت لهم إدانة حاكمهم فقاتلوا من أجله؟
3-              بناء على ما سلف .. ما حكم قتلى شعب (ب) إن صال عليهم (أ) وجنوده؟
4-              ما هو موقف علماء السنة –بنظرك- في دولة (أ) إن كان حاكمهم باغياً، هل ينشرون (فتواكم) بين الناس أم يقيمون مجالس سريةٍ كالأحزاب .. أم يؤلّبون الناس عليه، ويخلعون بيعته من أعناقهم ويعيّنوا أميراً بينهم –علماً أن الغلبة في تلك الدولة هي للحاكم (ب)- ؟
5-              هل فكرتم في مآل شعب (أ) المسلم الموحد السني يا شيخ .. ما هي الضرورة التي جعلت (الغاية تبرر الوسيلة) مستنداً شرعياً؟
6-              كيف تزج بأمة مسلمة إلى الهلاك؛ وتخالف النصوص الصريحة (الملحّة) بضرورة حفظ الدماء وعصمة دماء المسلمين والإمساك عن الولاة وعدم التعرض لهم؟
7-              أين المجاهدة في تأليف القلوب والإصلاح .. وهذا هو دور العلماء وورثة الأنبياء .. هذا هو ميدان السلفي الذي يتميز عن الخلفي برجاحة العقل والثبات في مواطن الفتن والنزاعات، والسعي الحثيث لحقن الدماء.
8-              ألستم يا شيخ ممن ناديتم بوقف إراقة الدماء في تونس وسوريا ومصر واليمن ؟ أليس لحفظ أرواح المسلمين وأعراضهم وأموالهم ودينهم؟
9-              لماذا لا تدعو الحكام إلى حل النزاع والإصلاح..  بدل أن تدعوهم إلى حمل السلاح؟
10-         منذ متى صرنا ندعو إلى القتال فيما بيننا .. أأقفلت أبواب المفاوضات نهائياً؟
11-         ما هو موقفك يا شيخ –حفظك الله- إن كنت من دعاة (ب) إذا تصالح الحاكمان .. ما موقفك ممن كنت بالأمس تدعو إلى ضرب عنقه واليوم جئت تعانقه؟
12-         بخصوص الحديث الذي استدللت به .. لنفترض أن شيخاً من دولة (ب) أفتى به، فذهب ليقتله؛ فأفتى مشايخ (أ) بضلاله وقبضوا عليه و(ألبسوه فتواه) وصيّروا دليله دليل إدانته، لأنه جاء يفرق أمرهم ويقتل حاكمهم، من الذي أقام الحديث منطوقا ومفهوما؟
13-         لنفترض أن الحرب قد وقعت بين البلدين بعد فتواكم فاستلت السيوف:
من يتحمل الدماء التي سفكت .. والأعراض التي انتهكت .. والنساء التي ترملت وثكلت .. والغلمان الذين تيتموا .. والأموال التي ذهبت .. والأرحام التي تقطعت .. والأمن والاستقرار إذا ذهبا .. من يتحمل هذا؟ هل ستقول والشيخ الريس لهؤلاء الناس (يغفر تبعاً ما لا يغفر استقلالاً)؟ هل يتحمل الشيخ عبدالله العبيلان هذا كله إذا وقف بين يدي الله –عز وجل- يوم القيامة؟
14-         ثم نقول للشيخ ما الدليل على تحريم الإنكار العلني على حاكمك، فإن أتى بحديث (من كانت له نصيحة لذي سلطان فلا يبدها علانية) وغيره، قلنا له: الأدلة ذاتها هي دليل تحريم كلامك في غيره.

*هل طلب الشيخ فيصل قزار سكوت العلماء؟
قال الشيخ العبيلان –وفقه الله-: (فالقول بأن العلماء يسكتون والحالة هذه قول مخالف للكتاب والسنة ومقاصدهما، فكيف يكون موافقا لمنهج السلف؟)
لم يقل الشيخ فيصل (على العلماء أن يسكتوا) أو شيئا من هذا القبيل، بل ذكر موقفاً للشيخ ابن باز مع (أبو رقيبة) حين زعم وقوع التناقض في القرآن، فسكوت العلماء وكلامهم منوط بالمصالح والمفاسد التي تظهر لهم، ويُقدِّرون الضرورة بقدرها –كما لا يخفى عليكم-.
ولي أن أسأل فضيلتكم هذا السؤال:
لماذا لم يحرض العلماء في المملكة في الفتنة ولم يأمروا بقتل أحد؟ ألا يؤثمون بسكوتهم هذا عندكم –سلمكم الله-؟
ألا تحتاج منكم والشيخ عبدالعزيز الريس إلى التأمل وإعادة النظر في المسألة؟
وفي الختام .. أحب أن أنقل لكم هذه الدُّرة من الإمام المبجل أحمد بن حنبل –رحمه الله-:
(سئل عن الخروج مع قوم خرجوا ببغداد فأنكر ذلك، وقال: سبحان الله! الدماء .. الدماء !! لا أرى ذلك ولا آمر به، الصبر على ما نحن فيه خير من الفتنة، يسفك فيها الدماء ويستباح فيها الأموال، وينتهك فيها المحارم، أما علمت ما كان الناس فيه –يعني أيام الفتنة- قلت والناس اليوم أليس هم في فتنة يا أبا عبدالله؟ قال: وإن كان فإنما هي فتنة خاصة فإذا وقع السيف عمّت الفتنة، وانقطعت السبل، الصبر على هذا ويسلم لك دينك خيرٌ لك، ورأيته ينكر الخروج على الأئمة وقال: الدماء .. ! لا أرى ذلك ولا آمر به) [السنة صـ132-133].
كما أحب أن أعتذر إليكم إن كان في كلامي شيئاً من التعدي على فضيلتكم .. وما القصد من هذا كله إلا وجه الله وتقديم النصيحة .. والله من وراء القصد

اللهم اجمع شملنا ووحد صفنا واحفظ دماءنا واصلح ولاة امورنا وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة واجعلنا مفاتيح خير مغاليق شر 
آمين آمين آمين
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
كتبه: أبو عمر عبدالله بن محمود الهزاع - الكويت

هناك 4 تعليقات:

  1. جزاكم االه خيرا يا شيخ واحسن اليكم على هذا التعليقات والتنبيهات الطيبة النافعة

    ردحذف
  2. ممكن جزاكم الله خيرا وبارك فيكم رقم الشيخ فيصل بن قزار الجاسم

    ردحذف