الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده،
أما بعد:
سئل الشيخ محمد خليل هراس -رحمه الله- (1) :
يقول صاحب الدين الخالص: إن من يعتقد أنّ الملابس
تقيه الحر أو البرد بطبعها فقد كفر، أو بقوة خَلَقها الله فيها فقد فسق، وكذا النار
والماء...الخ.
ونرجو الإفادة عن ذلك شكرا. فتحي شكر-المَحلّة.
فأجاب:
لقد جنى علم الكلام على عقيدة هذه الأمة جنايةً
كبرى، وأدخل فيها من عناصر الزيغ والفساد ما لا يحصيه إلا الله، لاسيما بعد أن
اتصل المسلمون بالثقافات الأجنبية، ونقلوا إلى لغتهم نظريات فلاسفة اليونان وغيرهم، من عُبّاد الأوثان ومزجوها بعلم الكلام.
ومن أخطر تلك النظريات الفلسفية القديمة التي أثرت أبلغ التأثير في عقائدَ فرقتين كبيرتين من فرق المتكلمين، وهما الأشعرية والمعتزلة، نظرية يقال لها (نظرية الجوهر الفرد)، فهذه النظرية لعبت دورا كبيرا جدا في مذهب الأشعرية، فقد جعلوها عمدتهم في إثبات حدوث العالم.
ومن أجْلِها أنكروا تأثير الأسباب في مسبباتها، لأن هذه الجواهر عندهم متشابهة الطبيعة، لا يتميز بعضها عن بعض إلا بما خلقه الله فيها من الأعراض، فلا فرق بين الماء والنار في الطبيعة والجوهر عندهم، ولكن الله يخلق في النار الإحراق، ويخلق في الماء الرطوبة، فالنار عندهم لا تحرق بذاتها، والماء كذلك لا يروي بذاته، وليس هناك أسباب عندهم تؤثر أسبابُها، وإنما يخلق الله المسبب عند مقارنة السبب له من غير تأثير له فيه.
وهذا جهل لحكمة الله عزوجل في الخلق، واتهامٌ له سبحانه بالعبث، حيث يخلق أسبابًا ثم يعطلها، وإنكارٌ لصريح القرآن الذي يقول: (وهو الذي يرسل الرياح بُشرًا بين يدي رحمته. حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت. فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات) الآية الأعراف.
فالله سبحانه هو خالق الأسباب، وهو الذي جعلها أسبابًا، فتأثيرها إنما هو بإذنه وحكمته.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (إنّ محو الأسباب بالكلية قدحٌ في الشرع، والله سبحانه خلق وجوه العقل والإعراض عن الأسباب والمسببات، وجعل هذا سببًا لهذا، فإن قال القائل: إن كان هذا مقدورًا حصل بدون السبب وإلا لم يحصل، فجوابه: أنه مقدور بدون السبب) والله أعلم.
(1)مجلة الهدي النبوي جـ26/العدد12/صـ47-48.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق