السبت، 4 مايو 2019

المرأة كما يريدها الإسلام (الشيخ محمد رشاد الشافعي)

إن إلهاً واحداً هو الذي صنع هذا العالم فأبدع صُنعه وخلق كل شيءٍ فقدّره تقديراً،خلق الداء ووصف الدواء، وجعل المرض وبيّن طريقة الشفاء، فهو سبحانه الخبير الذي يعلم الحكمة في وجود الاضداد، على هذا النظام البديع، فإذا هو جعل الليل والنهار آيتين فمحا آية الليل وجعل آية النهار مبصرة، فما ذلك إلا عن حكمة بهرت أسرارها أرقى المدارك وأرجح العقول، فلو أنه سبحانه جعل الليل سرمداً إلى يوم القيامة أو النهار كذلك، هل يستقيم عمران ويبقى وجود؟

هكذا خلق الله الإنسان وجعل منه الزوجين الذكر والأنثى، ثم بيّن لكل من النوعين وظيفته وحدد له رسالته، خلق الرجلَ للعمل والجهاد فرزقه بسطةً في الجسم، فهو أقوى من المرأة بطشاً؛ وأشد منها مراساً وأكثر احتمالاً للمشاقِّ، يركب ثبج البحار(١) كما يجوب القفار سعياًوراء الرزق وتحصيلاً للعيش، وخلق المرأة ضعيفةً ضغفاً هو من لوازم الأنوثة، ووهبها الجاذبية التي تحبب فيها الرجل ليسكن إليها، ولتكون شريكة حياته يتعاونا على تيسير مصاعب الحياة، هي في البيت تقوم على ترتيبه ونظامه وتربية أولادها، وهو في الخارج يقوم بتحصيل الرزق والكدح في سبيله، ورتّب للمرأة على الرجل في نظير معاشرته إياها حقوقاً يجب أن يؤديها، وبيّن للرجل أنه بالزغم من قيامه عليها في آية {الرجال قوامون على النساء} فهي شريكته الواجبة الاحترام في قوله تعالى {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف}.

وضمانا لطهارتها أوجب عليها الحجاب حتى لا تستهوي شياطين الإنس بجمالها فلا يزالون حتى يوقعوها في مهاوي الرئيلة، وضماناً لإبقائها طاهرة عفيفة حرم عليها مخالطة غير المحارم، أو مجاذبتهم أطراف الحديث بصوتٍ حنون ولو من وراء حجاب {ولا يخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض} {ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آباء بعولتهن} الخ.

فإذا هي نفّئت هذا البرنامج الحكيم ولم تحد عنه عفّت نفسها وسَمَت أخلاقها، واستطاعت أن تقوم بوظيفتها التي خلقها الله لأجلها وتؤدي رسالتها التي ناط بها تأديتها من تكوين الأسرة على أساس الآداب الدينية حتى تكون كل أسرة على هذا الغرر لبنةٌ قوية في بنيان الأمة؛ وذلك هو الغرض الأسمى الذي يرمي إليخ المصلحون.

وما ذهب إليه الإسلام في حماية المرأة إلى حد أن أوجب عليها الحجاب نكايةً بها أ تهويناً لشأنها، أ هضماً لحقوقها؛ ولكن صوناً لعفتها من عدوان ذئاب البشر.

وفي كل يوم يمر تثبت التجارب صحة ما ذهب إليه الإسلام في شأن معاملة المرأة، وأن الوضع الذي وضعها إياه هو خير ما يلائم  طبيعتها من لدُنْ تقريره إلى اليوم؛ وكل وضع خلافهُ أظهرت الأيام فساده وعدم صلاحية البيئة في توجيهها إلى وظيفتها الطبيعية. ولقد ذهب المصلحون في شأن المرأة كل مذهب قديماً وحديثاً وتشعّبوا لي سبيل إصلاحها طرائق قِدداً، ثم اعترف المنصفون منهم جميعاً بأنّ منهج الإسلام في شأن المرأة لا يوجد منهج يدانيه في إصلاحها واحترام شخصيتها والمحافظة على حقوقها في دائرة العدل والانصاف مع بقائها طاهرة الذيل (٢) عفيفة المئزر.

أما هذا الحماس المصطنع الذي ينادي به دعاة الخلاعة والفجور باسم حرية المرأة والدفاع عن حقوقها، فإنما هو لحاجات في نفوسهم صارت غير خافية، وقد ذاقت الأمة البلاء من جراء هده الدعوة الفاجرة.

وسنأتي إن شاء الله في مقال آخر على بيان أغراضها وأثرها في انهيار الأمم وانحلال المجتمع.(٣)

————————————————————————————————————————
(١) وسط البحار
(٢) مستقيمة السلوك
(٣) مجلة الهدي النبوي - مجلد ٥ - العدد١ - صـ١٦-١٧

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق