الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد :
فقد وقفت على تغريدات لبعض الدعاة الفضلاء، في (تويتر) يشاركون فيها عامة الناس بما يسمونه بـ (يوم الشهيد) وهو أمرٌ مستحدث، وعادة دخيلة على ديننا، وأعرافنا.
ولربما كان ذلك ردة فعل لبُغض الخوارج وأترابهم لحكوماتهم وحكامهم المسلمين.
وهذا خطأ كبير، إذ لا تزال البدعة ببدعة أو فسق، ولا يدفع الخطأ بخطأ مثله .. بل بالسنة، ولو رجعوا إلى أهل العلم لسلِموا من الوقوع في البدعة.
قال ابن كثير:(...وهذا من باب مقابلة البدعة ببدعة مثلها، ولا يرفع البدعة إلا السنة الصحيحة، وبالله التوفيق).
[البداية والنهاية 15/ 483]
وقبل الحكم على (يوم الشهيد)، لابد أن نعرف كنهه، ونُبيِّن ملامحه، حتى نتصور المسألة تصوراً صحيحاً، ويكون حكمنا حكماً دقيقاً.
* أولا : ( يوم الشهيد ) .. هو عيد ؟
نعم، هو عيد، إذ العيد من العود، فيوم الشهيد يوم مخصوص من أيام السنة، يعود الناس لذكر موتاهم في الحروب سنوياً، ويطلق العيد في الأصل على المناسبات السعيدة والحزينة، ولكن غلب المعنى الأول؛ لأن العيد عند أهل الإسلام: (عيد الفطر وعيد الأضحى)
وقد جعل الله أعيادنا المباركة جزاءً لأهل العبادة، الصوامين القوامين، والقاصدين بيته العتيق، فكافأهم بإدخال الفرحة على قلوب المسلمين، وسنّ لهم شرائع لإظهار تلك البهجة ظاهراً وباطناً؛ مٍن ذبح للنسك، وتهليل وتكبير وذكر.
وقد حرم رسول الله اتخاذ الأعياد، غير عيدي الإسلام الفطر والأضحى
* ثانياً: هل كل يوم مخصوص، يعود سنوياً، يكون عيداً محرماً؟
مثال ذلك؛ يوم المرور، هو يوم لا يحتفل فيه ولا يحزن فيه، فهو يوم إرشادي، ليس فيه شيء من إظهار الفرح والاحتفال أو الحزن والندب، فهو إذن خارج محل النزاع، وقس عليه ما شاكله.
* ثالثاً: هل (يوم الشهيد) يوم فرح أم حزن؟
لا أظنُّ عاقلاً يقول أنّ يوم الشهيد يوم فرح وسرور، إلا أن يكون جاهلاً، لا يدري ما يخرج من رأسه.
وقد رأيت البعض يحتفل باستشهاد إخواننا المجاهدين في مواطن الجهاد، بالتصفيق .. بل بالغناء والرقص !
أيُحتفل بموت حبيبٍ؟!
ولو جزمنا -فرضاً- أنه شهيد عند الله، أيحتفل بفراقه؟
أهذا من العقل والإسلام في شيء ؟!
حاشى لدين محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم ..
فما احتفل رسول العقل والرزانة والإنسانية باستشهاد أحد من أهله وصحابته في المعارك وهم شهداء قطعاً ! ..
فيا قومِ ألا تعقلون ؟!
الخيار الثاني ... هو: يوم حزن
وهذا يأخذنا إلى طرح تساؤلات:-
1- هل هو تأبين ؟
نعم.
2- ما حكم التأبين؟
أ) روى الإمام أحمد بسنده أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن المراثي.
قال عبد الرحمن المباركفوري: "المرثية المنهي عنها: ما فيه مدح الميت، وذكر محاسنه الباعث على تهييج الحزن وتجديد اللوعة، أو فعلها مع الاجتماع لها، أو على الإكثار منها دون ما عدا ذلك". [تحفة الأحوذي]
ب) قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحدَّ على ميتٍ فوق ثلاث ليال، إلا على زوجٍ أربعة أشهر وعشر)
فإن كان حداد المرأة على زوجها ورفيق عمرها.. الميت؛ لا يحل بعد أربعة أشهر وعشرة أيام، لمرَّة واحدة في العمر !
فكيف بمن يقيم الحِداد، ويهيج الأشجان، ويجدد جروح الثكلى، ويثير عاطفة الأرملة، ويكسر قلب الطفل اليتيم، ويرسل مزن الأحزان على أهل الميت حتى يخيم عليهم البؤس والنكد ! لمَ كل هذا ... لمَ ؟!
أما يكفي الدعاء له عند ذكره إذا طرأ ؟
والتصدق عنه، وبناء المسجد له، وعمارة الأوقاف باسمه، وغيرها من الأمور التي تنفعه وهو في قبره؟
رابعا: أوجه تحريم (يوم الشهيد) استنادا إلى ما مضى:
1- هو بدعة منكرة لحديث "كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد".
وقد عدَّه الإمام الألباني من بدع الجنائز :
(تأبين الميت ليلة الأربعين ، أو عند مرور كل سنة المسمى بالتذكار) [صـ275 احكام الجنائز وبدعها].
وقد أفتت اللجنة الدائمة: (لم يثبت عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، ولا عن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ ، ولا عن السلف الصالح إقامة حفل للميت مطلقا ، وعند وفاته ، ولا بعد أسبوع ، أو أربعين يوما ، أو سنة من وفاته ، بل كل ذلك بدعة وعادة قبيحة ، وكانت عند قدماء المصريين ، وغيرهم من الكافرين ، فيجب النصح للمسلمين الذين يقيمون هذه الحفلات ، وإنكارها عليهم ؛ عسى أن يتوبوا إلى الله) [رقم 3668- تاريخ 7- 6- 1401]
2-هو ليس من الأعراف، وفكرته غربية الأصل، ولا يخفى على مسلم تحريم التشبه بالكفار، فما بالك بمشابهة أعيادهم
فعند الأمريكان يحتفل "بيوم الذكرى" Memorial Day - Remembrance Day تخليدا لذكرى قتلى الحرب الأهلية، ثم صارت للجنود قتلى الحرب العالمية الأولى.
وكذا الأمر في كندا وبريطانيا ... حتى تابعتهم بعض الدول المسلمة -للأسف- .. وصدق رسول الله (لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة...)
3- لا ينبغي إدخال الحزن على القلب، لغير سبب معقول، أو مسوغ مشروع.
•• مسألة: هل يقاس يوم الشهيد على أسبوع المرور؟
لا، لأنه يعتبر أسبوع إرشادي توعوي، ليس فيه شيء من مظاهر الاحتفال والبهجة، وإن كانت تسميه وزارات الداخلية "بالاحتفال"، إذ ليس فيه شيء مظاهر العيد والأُنس به، كما أسلفت.
هذا وأسال الله أن يغفر لإخواننا، وأن يعيد لهم رشدهم، وأن يستعملهم في طاعته، وحسن عبادته، وأن يجعلهم مفاتيح للخير، مغاليق للشر.
آمين
كتبه أبو عمر عبدالله بن محمود الهزاع
روى الإمام أحمد بسنده أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن المراثي.
ردحذفرواه احمد(4/ 356،383)
واخرجه ابن ماجه (1/ 483) ، والحاكم (1/ 383) ، والطيالسي (1/ 158) والخطابي في "غريب الحديث" (141/ 1) عن إبراهيم الهجري عن عبد الله بن أبي أوفى مرفوعاً. وقال الحاكم:
"غريب صحيح، إبراهيم بن مسلم الهجري ليس بالمتروك؛ إلا أن الشيخين لم يحتجا به"!
قلت الالباني: ولكنه ليس بالثقة أيضاً؛ ففي "التقريب":
"لين الحديث". بل قال البوصيري في "الزوائد" (100/ 2) :
"ضعيف جداً".
وضعفه الالباني في الضعيفة برقم 4724
وضعفه محقق المسند برقم 19140