الحمدلله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فقد كثر على لسان نساء المسلمين في هذه الأيام: (المرأة هي الرجل في البيت)، وغيرها من العبارات الدالة على أنّ المرأة هي الراعية في بيتها دون الرجل.
وعند التأمل والنظر إلى الواقع .. نجد أنّها حقيقة مرة .. وآفة معضلة مُحدثة خيمت مجتمعنا الكويتي، ولو نطقت البيوت وأَسمعت الجدران، لشهدت على كثير من (ذوي الأشناب) بالخزي والعار !
فكثير من الرجال في هذه الأيام يظهر لزوجته في بداية زواجهما محاسن الأخلاق، وبشاشة الوجه، وسعة الصدر، والكرم والجود، والكفاءة على حمل المسؤولية وخذ من أمثلة الشهامة ما شئت، حتى إذا أرهقته الأيام، وجاء الأبناء، وكثرت المسؤولية، وزادت الرعية، أثقلته الأمانة حتى عجز عن حملها، وسرعان ما يسقط قناع "الشهامة" فيكشف لزوجته عن وجهه الحقيقي.
فيلقي عليها عبئ الحياة ! غير مبال بها ولا بأبنائه الذين رزقه الله إياهم، فيذهب لأصحابه في (الدواوين) ويسهر إلى ما شاء الله، ويترك مسؤوليات البيت بالكلية، فالزوجة:
هي الأم، وهي المربية، وهي (السائق) الذي يأخذ الأبناء مِن وإلى المدرسة، وهي التي تذهب لقضاء حاجات المنزل من أطعمة وأشربة وغيرها، وهي الخادمة . . وهي الأب !
فإذا ما قصَّرت في وظيفة من وظائفها التي لم يكلفها الله بها، أسمعها كلاماً كالسم، والسم أحلى منه ! :
لماذا نسيتي أن تذهبي للقاء أولياء الأمور في مدرسة الولد؟
ولماذا لم تأخذي فلانا للحلاق لقص شعره؟
ولماذا لم تعلمي البنت على عدم التأخر في خروجها من المنزل؟!
وما هي وظيفتك أنت يا (رجل) ؟!
متى كانت المرأة رجلاً في الإسلام؟!
أَبَعد هذا التقصير والتفريط المخزي، الناتج عن قلة الرجولة وانعدام المسؤولية، وانتكاسة الفطرة، تعترض عليها وتخلي مسؤوليتك؟! أتحسب أنّ الله لا يراك؟!
بلى وربي ليحاسبنّك ملك الملوك وأعدل العادلين وأسرع الحاسبين، الذي يراك من فوق سبع سماواتٍ.
فعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، الإمام راع ومسئول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها) رواه البخاري.
وقوله عليه الصلاة والسلام: (وكلكم مسؤول) : أي محاسب ومسؤول أمام الله.
فاستيقظوا يا رجال ! فإنّ تحميلكم لزوجاتكم ما لا يطقن من عبئ الحياة ومشاقها تشويه وإفساد لأنوثتهن التي جعلها الله فيهن، وتغيير لفطرهن، والعجب كل العجب ممن يشترط على زوجته العمل قبل الزواج! حتى إذا رباها على الكدح والشقاء معه لكسب لقمة العيش، قال: زوجتي لم تعد امرأة !!!
أبعد أن أفسدتها تندب حالك؟ ثم تبحث عن امرأة أخرى تتزوجها لتكون أكثر أنوثة منها، فإذا ما تزوجت الأخرى اشترطت عليها ما اشترطت على الأولى و...؟!
فاتقوا الله عباد الله في نساء المسلمين، فإنهن أمانة في أعناقكم، أخذتموهن من بيوت أهليهن على أن تحفظوهن وتكرموهن حتى يأتيكم الأجل.
قال تعالى: ((وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا))، وأحسنوا إليهن، قال تعالى: ((ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة))، وقال: ((وعاشرهن بالمعروف)).
وفي الصحيحين عن النبي –صلى الله عليه وآله وسلم-: (استوصوا بالنساء خيرا ، فإنهن خلقن من ضلع ، وإن أعوج شيئ في الضلع أعلاه ، فإن ذهبت تقيمه كسرته ، وإن تركته لم يزل أعوج ، فاستوصوا بالنساء خيرا)، متفق عليه.
وقال: (رفقا بالقوارير)، متفق عليه.
فإن كرهتم منهن خلقا فاصبروا، فلا كامل إلا الله وحده، ولعلكم ترضون منهن خلقا آخر، قال تعالى: ((وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيها خيراً كثيراً))، فيكون الخير الكثير في الولد الصالح أو غير ذلك.
واجعلوا عباد الله حديث المصطفى –صلى الله عليه وآله وسلم- نصب أعينكم، : ((خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي))، رواه الترمذي.
فالتزموا هديه –عليه الصلاة والسلام- ففيه الصلاح في المعاش والفلاح في المعاد.
وهذه وصيتي إليك أختي المسلمة:
أولا: أوصيكِ بتقوى الله في نفسك، فإنك محاسبة يوم القيامة وموقوفة بين يدي الجبار، فاحفظي نفسك وعفي فرجك، وكوني أُمّاً مثالية يقتدى بها، فإنّ الأبناء مفطورون على تقليد الوالدين منذ الصغر، ولكِ في سِيَر أمهات المؤمنين والصحابيات الجليلات –رضي الله عنهن- أسوة حسنة.
ثانيا: اتقي الله في زوجك، فإن مِن واجب المرأة طاعة زوجها، وتلبية أوامره، وكسب رضاه، ولا تلتفتي لبعض مشايخ الفضائيات ممن يزعم أن المرأة ليس من شأنها رعاية زوجها ولا خدمته، فعن أبي هريرة –رضي الله عنه- أن رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- قال (إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها، قيل لها ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت). رواه ابن حبان وصححه الألباني
فإن أمر الزوج امرأته أن تطهي له طعاما، وتنظف منزله، وتحسن ثيابه -وغيرها من وظائف ربات البيوت التي يعرفها (جيل الأجداد) وتكاد أن تنقرض في عصرنا الحاضر- كان واجبا على المرأة تلبية طلبه وامتثال أمره، وإلا فما فائدة المرأة؟ وما معنى كونها (ربة بيت) ؟
وإن كانت المرأة للاستمتاع بها فقط في نظر البعض، فالجواب من وجوه:
1. أن الأصل في الاستمتاع أن ينتفع به الطرفان –الرجل والمرأة-، فلا مزية للرجل على المرأة ولا العكس، فلم تقدم المرأة شيئا يذكر لتكون من خصائص ربة المنزل، فكلاهما متساوٍ في أمر الاستمتاع.
2. وأما من جعل المرأة أداة تحت الرجل يستمتع بها، ففي هذا المفهوم حطّ من قدر المرأة وقيمتها التي رفعها الإسلام، وبذلك أهانوا المرأة المسلمة، سواء شعروا بذلك أو لم يشعروا، فجعلوها كالدابة التي يطرقها البعير! وما عرفوا حقها، ولا منحوها قدرها.
وجاء في الحديث عن النبي–صلى الله عليه وآله وسلم-: (لو كنت آمراً أحدا ليسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها)، رواه الترمذي وابن ماجه.
وفي الحديث دليل على أنّ تعظيم الزوج أمر مطلوب شرعاً، ولا يخفى على كل مميز مهما اختلفت ديانته: أنّ تربية الأبناء على تعظيم الأب واحترامه، وعدم مخالفة أمره، يرفع هيبته في نفوس الأبناء، ليمتثلوا له السمع والطاعة، فتقل أخطاءهم خشية معاقبته لهم، وتقل الانحرافات، أو تنعدم بفضل الله، وهكذا تنضبط مسيرة الحياة الأسرية.
وهذا أدب نبوي علمنا إياه رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- مع كل من ولاه الله علينا من أب أو حاكم أو عالم.
ثالثا: أختاه ! ربي أبناءك على الصلاة، ولزوم العبادة، وكثرة التنفل، وذهاب الأولاد للمساجد، ومحافظة البنات على الصلوات في أوقاتها، وحثهم على حفيظ كتاب الله، والعناية به، وحفظ ما تيسر من كلام خير البشر رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم-، وعلميهم التوحيد والعقيدة الصحيحة، والأدعية المأثورة، وإياك أن تربيهم على سماع المنكرات، ورؤية المحرمات، والذهاب للأسواق والجلوس في الطرقات –وهي آفة مجتمعنا-.
فعن سلمان الفارسي -رضي الله عنه- قال: (لا تكونَنَّ - إن استطعت - أوَّل مَن يدخل السوق ، ولا آخر مَن يخرج منها ، فإنها معركة الشيطان ، وبها يَنصب رَايته). رواه مسلم
فبذلك تخرجي للإسلام جيلا ينفع الله به الإسلام والمسلمين، لما رواه أبو داود والنسائي في سننهما من حديث معقل بن يسار –رضي الله عنه- أن رسول الله –صلى الله عليه وآله وسالم- قال: (تزوجوا الولود الودود، فإني مكاثر بكم الأمم).
ويستفاد منه أن النبي –صلى الله عليه وآله وسلم- يباهي يوم القيامة بـأبناء تلك المرأة المسلمة المربية الأمم الأخرى، فكوني ممن يباهي بك محمد بن عبدالله –صلى الله عليه وآله وسلم- وفوزي بذلك يوم القيامة.
تنبيهٌ لابد منه:
اعلموا عباد الله، أن التقصير عن الواجب أمر لابد من وقوعه كوناً، فليصبر الزوج على زوجته ورفيقة دربه، والزوجة على زوجها وسندها، وليُكمّل الواحد منهم الآخر.
فعن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- : (لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خُلُقا رضي منها آخر، أو قال: غيره). رواه مسلم
عسى الله أن ينفع بآباءنا وأمهاتنا، ويصلح ذرياتنا، ويحفظ أبناء المسلمين بحفظه.
والحمد لله رب العالمين
كتبه أبو عمر/ عبدالله الهزاع
الخميس 2/6/1435 هـ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق