السبت، 5 يوليو 2014

الإخوان المسلمون .. أو الإخوان المصريون بين الأمس واليوم .. للشيخ محمد صادق عرنوس

الإخوان المسلمون

أو

الإخوان المصريون . .

بين الأمس واليوم (1)

 

الله غايتنا – الرسول زعيمنا – القرآن دستورنا

 

تلك مبادئهم التي كانوا بالأمس يملأون بها الدنيا صياحاً، غدوا وروحا، ظاهرها حق لا شبهة فيه، والله أعلم بالقلوب وما تخفيه، فانظر كيف استحالت هذه المبادئ اليوم إلى تطورات ثلاث، تناهض هذه المبادئ تماما:

أولا:

تصريح المرشد العام لمجلة (المصور) ونُشر في عددها الصادر يوم الجمعة 5 إبرايل سنة 1946 نثبته بِنَصِّه ليكون مصداقاً لقول –عز وجل-  واعلموا أنَّ الله يحول بين المرء وقلبه وأنَّه إليه ترجعون :

مريت بك غالي والشيخ لويس فانوس.و..

                                                          أعضاء علملون في جماعة (الإخوان المسلمين) !.

 

كنا قد علمنا أن (الإخوان المسلمين) يساعدون الأستاذ لويس فانوس في ترشيحه لمجلس الشيوخ باعتباره (عضواَ) في الجماعة ! فرجعنا في ذلك إلى فضيلة الأستاذ حسن البنا المرشد العام للإخوان، فكتب يقول:

(لهيئة الإخوان المسلمين أصدقاء كثيرون من غير المسلمين. والإخوان يعتبرون هؤلاء الأصدقاء (أعضاء عاملين) معهم في كل الشؤون الإجتماعية التي تتفق مع مؤهلاتِهم؛ ويفسحون لهم المجال للإفادة بآراءهم وأفكارهم.

وقد اشترك (الأخ) الأستاذ نصيف ميخائيل في التحضير لمؤتمر الإخوان بالغربية اشتراكاً فعلياً. بل لن أكون مُبالِغاً إذا قلت أنَّه هو الذي أعدَّ المؤتمر، ولا أنْسَ ما (للأخ) الشيخ المحترم لويس فانوس بك الجولات في مؤتمرات الإخوان المسلمين، وما يقوم به من دعاية للجمعية في أنحاء مصر. (2)

 

كما أنَّ الأخ مريت بك غالي يساهم في أعمال الإخوان؛ ولا تنسَ تبرُّعَه في شراء الدار، ومساعدته الأدبية بتبادل الآراء والأفكار حول الاصلاحات الاجتماعية. فضلا عن أنَّه عضوٌ في لجنتنا الاقتصادية، كما يتعلون معنا في المشروعات الاجتماعية النافعة.

ولقد ذكرت هذه الأسماء على سبيل المثال لا الحصر، فإننا لا نجد أبداً ما يحول بيننا وبين التعاون مع المواطنين العاملين، مسيحيين كانوا أو مسلمين. ويتجلّى هذا في جوالة الإخوان أكثر من ثلاثين جوالاً من إخواننا المسيحيين. أما في الانتخابات فالقاعدة العامة عند مساعدة مرشّحي أولاً وهم لا يرشحون إلا الأكفّاءَ من المصريين، ويوم ينشر الإخوان قوائمهم للإنتخابات سيجد الجميع أنّنا لا نعرف إلا المصلحة العامة، وسيجدون ضمن هذه القوائم أسماء إخواننا المسيحيين الذين يشتركون معنا في الجمعية.

وبعد مرشّحي الإخوان نساعد أصلح المرشحين وأقدرهم على خدمة المصلحة العامة بغير نظرٍ إلى اعتبارٍ آخر، ديني أو حزبي، إلا مصلحة مصر والمصريين ...) اهـ

 

وثاني هذه التطورات:

ما نشَرَته مجلة (آخر الساعة) في عددها الصادر كذلك يوم الجمعة 5 إبريل سنة 1946 وهو اقتراح كبير قبطي على الأستاذ حسن البنا المرشد العام للإخوان المسلمين أن يسمي الإخوان المسلمين (الإخوان المصريين) حتى يتمكن كثيرٌ من الأقباط من الانضمام إليهم، وهذا اقتراحٌ هو وليد التطور الأأول ولا شك، وما الوقت الذي ينفذ فيه اسما بعد أن تنفَّذَ فعلاً ببعيد.

 

وأيَّ صبغة بقيت للإخوان المسلمين بعد أن أصبح في ميسور كل إنسان – أياً كان دينه- أن يكون أخاً لهم، فإذا اعترضهم قوله تعالى: ((إنما المؤمنون إخوة)) أوَّلُوا المؤمنين بالمؤمنين بفكرتهم !! .

 

وأما النصوص المُحكَّمة التي وردت في التحذير من اتّخاذ غير المؤمنين أولياء كقوله تعالى: ((يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليوم والنصارى أولياء من دون المؤمنين ومن يتولهم منكم فإنه منهم)) فلعل الأستاذ المرشد لا يعدم لها تأويلاً يستخدمها به لصالحه بما أوتيه من سعة الحيلة وقوة العارضه. وفوق كل ذي علمٍ عليم.

 

أما التطور الثالث:

فهو ذلك الإعلان الذي نشرته مجلة (الإخوان) عن تمثيل روايةٍ باسم المعز لدين الله الفاطمي، منشئ القاهرة وباني الجامع الأزهر، تأليف الأستاذ عبدالرحمن الساعاتي (شقيق المرشد العام) – مسرحية تصور الفكرة وتجمع إلى روعة الفن جلال الدين، تمثل على مسرح الأوبرا يوم الأربعاء أول مايو سنة 1946إخراج سراج منير، وألحان أحمد عبدالقادر !.

 

سهمان في صميم العقيدةِ نَدَعُ تصوُّرَ تأثيرهما لذهن القارئ، وآخر في صميم العقيدة والأخلاق كليهما. ذلك هو التمثيل الذي جارت فيه بعض الجماعات الإسلامية أولئك المرتزقة الغاوين، الذين امتهنوا هذه الصناعة –صناعة التمثيلالماجنة العابثة باالفضيلة القاضية على الآداب والتي لا تستمد حياتها إلا من الروايات المكذوبة والقصص الخيالية المختلقة، ومهما نحل المبطلون هذا التمثيل من فوائد فلن ينهض ببعض ما يخلّفه من مفاسد.

 

ولقد كنا ننتظر أن يكون الإخوان المسلمون معنا حرباً على هذه البدعة الضارة أو يقفوا منها موقف الحياد على الأقل، لا أن يكونوا من الداعلين إليها قولا وعملا، ولتفنيد حجج القائلين بفوائد التمثيل مقامٌ غير هذا توليناه مبسّطاً في عدة مناسبات، ولا زلنا نلاحق هذه الحجج بالتفنيد، وننحي باللائمة على كل داعٍ إلى التمثيل، وإن كره الأكثرون.

 

فإذا تجاوزنا التمثيل بصفةٍ عامة إلى اختيار الرواية نفسها نرى اختيار الإخوان المسلمين لموضوعها يدعو إلى أشد العجب؛ إذ كيف يجعلون روعة الدين تتجلى بإعادة سيرة هذا العبيدي الخبيث، مع علمهم بما جناه على الدين وما أحدثه فيه من طوام بالتغيير والتبديل بمحض هوى وطغيان الشهوة والنية المبيّتة على إزالته تنفيذا لوصية جدّه ابن سبأ اليهودي الذي جرح الإسلام –بتأريث الفتنة بين عليٍّ ومعاوية جرحاً لازال دمه يسيل إلى اليوم.

 

وما كانت أعمال المذل لدين الله وأعمال خلفائه من بعد سرّاً خفيّاً، بل تناولها التاريخ، فدوّنه علماؤه –فرنجة وعرب- من جنايتهم على الدين ما يستحقون ببعضه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، فاختيار هذا الخبيث الباطني موضوعاً لروايتهم إما أن يكون جهلا بسيرته، وذلك نستبعده على جماعة الإخوان- بقطع النظر عما يتأثر به العامة من إنشاء القاهرة وبناء الأزهر،(3) وإما أن يكون تجاهلاً لغرضٍ ليس للدين به صلة..

 

ولا يفوتنا أن نذكِّر أن الإخوان قد شعروا في الأيام الأخيرة بالنظر الشذر الذي يرمقهم به الناس من جراء التطوّر السريع الذي حدث في مبادئهم؛ فإذا أرادوا أن يغّطُّوا موقفهم بترديد مقال المرشد العام قال منذ عشر سنوات. ولا أرى ترديد ذلك المقال القديم يُغني من الحق شيئاً إن كان الواقع يكذّبه والشواهد كلها إلبٌ عليه.

 

ولو أننا لا نخلي أغلب الهيئات التي تناوئهم من التحامل المغرض والخصومة التي ليس لها إلا الحسد وقصد التشهير للتشهير ذاته (4) إلا أننا نشهد أنّهم انحرفوا في الأيام الأخيرة عن الجادة التي كانوا من قبل قد رسموها لأنفسهم لا من حيث الاشتغال بالأمور السياسية فحسب، ولكن من حيث تراجع عن المبادئ القويمة التي كانوا ينادون بها ويجعلون ختامها (الموت في سبيل الله أسمى أمانينا) والتراخي في الاستمساك بها تحت الظروف التي جعلت من الأستاذ نصيف ميخائيل والشيخ المحترم لويس فانوس بك ومريت بك غالي إخواناً ينضوون تحت راية الإخوان....المصريين

 

---------------------------------------------

 

 

(1)مجلة الهدي النبوي (10/ 163-166)، وقد نسب بعض الفضلاء المقال للشيخ محمد حامد الفقي –رحمه الله-، وهذا فيه نظر، ذلك أنّي نسخت المقال من المجلة نفسها فلم أجد اسم الكاتب، وبحكم كثرة قرائتي لمجلة الهدي النبوي، واشتغالي بجمع بعض مقالات علماء الجماعة وإفرادها في مقال واحد، أقول أنَّ كاتب المقال هو أحد رجلين: إما رئيس التحرير (الشيخ حامد الفقي) أو مدير المجلة (الشيخ محمد صادق عرنوس)، وفي الغالب أنّ مدير المجلة هو من يكتب هذا النوع من المقالات، لبيان أن هذا هو رأي جماعة أنصار السنة المحمدية؛ والله أعلم.

 

(2)ولازال الإخوان يحذون حذو مرشدهم حسن البنا، فها قد عيّنوا عابد الصليب: رفيق حبيب نائباً لحزب الحرية والعدالة التابع لجماعة الإخوان.

 

(3)إلى هنا انتهى الشيخ محمد عوض عبدالغني –حفظه الله- من نقل نص هذه المقالة في كتابه النفيس (لمحات عن دعوت الإخوان المسلمين) وقد تضمن ردود علماء الدعوة السلفية في مصر–السابقين- على جماعة الإخوان المسلمين؛ وهو كتاب نافع أنصح بقراءته والاستفادة من تعليقاته الموثّقة.

 

(4)لما زرت المركز العام لجماعة أنصار السنة المحمدية في عابدين العام الماضي، التقيت ببعض مشايخ الجماعة السلفيين، وسألتهم عن سبب عدم اتّخاذ علماء الدعوة السلفية في مصر موقفاً من انحراف الإخوان منذ البداية، وعن سبب مشاركة سيد قطب في الأعداد الأُول من المجلة، فأجابوا: أنَّ انحراف الإخوان لم يكن ظاهراً في بداية دعوتهم، وأنها كانت تظهر حملها لقضية الخلافة الإسلامية وعودة الأمة إلى مجدها، وحربها للفساد،  حتى أنّ بعض العلماء كانوا يحمدون لهم إخراج الشباب المسلم من الحانات والمراقص ودور السينما، فلما ظهرت بدعهم وطوامهم وانكشفت عورتهم، أيقن العلماء أنّ هذه الجماعة اتّخذت الدين عباءة للوصول إلى السلطة، فردّوا عليهم وحذّروا منهم، حتى أن الشيخ الفقي –رحمه الله- لقبهم بـ (خوّان المسلمين)، وقد قال رحمه الله  يوماًلحسن البنا: (يا حسن..والله لن تقوم لك قائمة) كما ذكر ذلك الشيخ أحمد سالم –حفظه الله- عن الشيخ أحمد الغريب –رحمه الله-.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق