الحمدلله وحده، والصلاة والسلام على من لانبي بعده، وبعد:
فهذا هو المقال الثاني من سلسلة (الليبرالية الالحاد بثوبه الجديد) وأنبه القارئ الكريم أن ابتداءاً من هذا العدد سأقوم بتصغير حجم المقالات القادمة: خشية الملل الذي قد تلحقه الإطالة، ولحصول النفع -إن شاء الله- في المعلومات المختصرة...اسال الله أن ينفع بها الجميع.
[عوامل ظهور الليبرالية]
شهدت أوربا في القرن الرابع عشر الميلادي أوحش عصورها، إذ كان الأوربيون عبيداً لأرباب الكنيسة من الأحبار والرهبان، مذللين للملوك والأباطرة والإقطاعيين وذوي السلطان.
فكانوا تحت سيطرة تامة لهؤلاء، يتحكمون في مصائرهم، وينهبون خيراتهم، ويتصرفون في أموالهم، بل وينتهكون أعراضهم.
فلما رأى القوم أن سياسة البلدان قائمة على الديكتاتورية، وأن الباباوات قد أناطوا سرقاتهم ونهبهم أموال الناس بالدين، وهيمنة أصحاب الأموال والنبلاء على أوربا وتعبيدهم من دونهم...ثاروا !
وبما أن طواغيت النصارى:
لا يربون أتباعهم على التزام العقيدة النصرانية..
ولا يعنون بحرث الولاء والبراء في نفوس الاتباع ... ثار عليهم الناس، واستبد الأوربيون، حتى صاروا كالتتر، فظهر التيار الليبرالي كردة فعل للاضطهاد السائد.
[ما هي الليبرالية ؟]
يرجع معنى الليبرالية (liberalism) للتحررية، وقد اختلف الليبراليون في تحديد مفهومٍ جامعٍ مانع لها، إذ يعتريها الغموض في مفهوم الحرية نفسه (!) فمنذ أن خيم ظلامها سماء الدنيا جيلاً بعد جيل ونُظّارها في اختلاف في تحديد سمات هذا المنهج، ويرجع ذلك لاختلافهم بالاعتبار الطبقي والمذهب الفلسفي والانتماء الفكري، والاعتقاد الديني.
ولعل أوجز التعريفات للليبرالية، والذي يوضح خلاصتها ما ذكره الفيلسوف الفرنسي لاشلييه: (هي الانفلات المطلق). <موسوعة لالاند الفلسفية ٧٣٢/١>
[الليبرالية...ونظرتها للمجتمع]
تعتبر الليبرالية -من حيث الأصل- مذهباً رأسماليا، إذ تنادي إلى حرية الفرد، واشباع متطلباته، وتحقيق رغباته، وتحصيل ملذاته؛ ضاربة الشرع والأعراف والتقاليد والقيم عرض الحائط.
فهي تروض أتباعها على المطالبة بما يسمونها بالـ (حقوق) الشخصية، وحرية الرأي والتعبير، لا يحكمهم قانون ولا تشريع ماداما معارضين للغايات؛ قانونهم:
١-ما تمليه عليهم شياطين الجن والإنس.
٢-الهوى .. وما أدراك ما الهوى.
وما بدلوا حكم الله إلا تسكينا لشهواتهم وترويجاً لشبهاتهم
وذلك الضلال المبين، {أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم لا يؤمنون}.
لذا نجد أن الليبرالي دائماً في خط المعارضة -إلا ما رحم ربي- حيث يروج لأفكاره السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها بين الناس، فيكسب عدداً من المؤيدين، حتى إذا نادى بقضيته ومطالبه المصادمة للمجتمع يحتج بمؤيديه على أنّ هذا المطلب من نسج الأفراد المنتمين لهذا المجتمع، ثم...
[الليبرالي العربي والغربي]
قال رسول الله ﷺ : "لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، قالوا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال:فمن؟"
وها نحن نرى الليبراليون يتبعون سنن اليهود والنصارى حذو النعل بالنعل! لا يكاد الواحد منهم يفارقهم في شيء، بل تجد الليبرالي العربي -ولا أقول المسلم- أشد عداوة وكفراً من الليبرالي الغربي لأهل الديانة
-فترى الليبرالي العربي:
يتكلم بمنطلق الحقد المتولد عن بغض التشريع الإلهي؛ وعدم الرضا به، وعدم التسليم له، وما يتبع ذلك الحقد الذي زرعه إبليس من:
-حربٍ ... للإسلام وشعائره.
-وازدراءٍ ... للعلماء، وتهميشهم، والحط من قدرهم، وتنفير الناس منهم بوسمهم بالتشدد والرجعية والتخلف!
-وكسرٍ ... للعادات والتقاليد والأعراف العربية الأصيلة.
-وجحودٍ ... لفضل أمته الإسلامية والعربية عليه.
أما الغربي: فبغضه للدين راجع لإلحاده بالقوانين السماوية ككل، ورفضه لكل ما يعكر عليه صفو حريته ويصرفه عن متاع الحياة الدنيا.
وكل ليبرالي على وجه الأرض يرى أن الدين (أغلال) مصفدة حول الأعناق، و (سلاسل) تكبل الأيادي والأقدام عن ممارسة الحريات...وهذا لسان الحال قبل المقال
بارك الله بك
ردحذفكلام من ذهب