عزيزي الأستاذ الأخ محمد جميل غازي
السلام عليكم ورحمة الله، وبعد :
أنا ماروي محمد أحمد الرجل الذي أجرى معك مناقشة في شأن الطرق الصوفية بمنزل الأخصديق محمد خير ( بالأبيّض - السودان ) في عصر آخر يوم من أيام زيارتك الأبيّض، وظللنا معكإلى أن وصلنا إلى المطار.
وإن من بواعث الأسف حقاً عدم وجود الوقت الكافي لمناقشة ما دار في المحاضرات التيألقيتها في الأبيّض، والتي كان لها وقع عظيم في نفوسنا.
أنا رجل لي طريقة صوفية منذ حقبة من الزمن، ولم أجد الفرصة الكافية لمعرفة حقيقتها، وقدرأيت أنه من الضروري أن أبعث إليكم بهذه الأسئلة لعلي أجد في ردكم ما يقطع شكي.
وخاصة أنه منذ سفركم -وحتى كتابة هذه السطور- لم تبارحني هذه الشكوك ولا لحظة ! !
1️⃣ ذكرتَ لنا في محاضرتك (بناء الإصلاح) تحت عنوان: ﴿قل هاتوا برهانكم﴾ إنه ليس هناكأقطاب، ولا أغواث، ولا بدلاء، ولا أنجاب، ولا أوتاد.
وبعد البحث في مسند الإمام أحمد -المجلد الأخير- وجدتُ حديثًا يثبت الأبدال، وذكر الحافظالسيوطى أنه حديث متواتر، نرجو الإفادة عن صحة هذا الحديث؟
2️⃣ما هي الوسيلة؟ وما معنى قوله تعالى:
﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة﴾
3️⃣ما هو الدليل على أن الصوفية بدعة؟
4️⃣إن الآيات التي كنتَ تستدل بها؛ معظمها نزل في المشركين فهل تجوز مخاطبة المسلمينبها؟ (1) .
ثم يقول الأخ ماروي:
إن الإجابة على هذه الأسئلة هام؛ لأن مَن عاش على الشك مات همًّا، ونحن نتقدم إليكم بالشكرلما قدمتم لنا من فوائد، وأنا الآن أقرأ في صحيح البخاري، وقد انتهيت من مجلدين وأماميالثالث.
وإن دل هذا فإنما يدل على أثر محاضراتكم التي بَعثت فينا روح البحث والمعرفة، جزاكم الله عناخير الجزاء، ووفقكم لما فيه إسعاد البشرية، والسلام.
ماروي محمد أحمد
الأبيّض - السودان هيئة توفير المياه قسم حفر الآبار الجوفية
[ جواب الشيخ ]
عزيزي الأستاذ الأخ ماروي محمد احمد
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد :
فلقد سررت لِما قرأته في رسالتكم من إقبالكم على قراءة صحيح البخاري، وغيره من كتبالسنة النافعة، وهذا -ولله الحمد والمنة- بدء الطريق الصحيح للوصول إلى الله، ومعرفة دينهالخالص، البعيد عن البدع والخرافات ومحدثات الأمور، وإني أنتهز هذه المناسبة لأقول لكولسائر إخوانك الذين وقعوا في براثن الصوفية؛ أن يتقوا الله فيما يقرأون من كتب، فلا يقرأواكتابًا إلا إذا ثبتت صحته ...
ولا شك أن أهدى ما يُقرأ هو :كتاب الله، وما صح عن رسوله ﷺ
أما أوراد مشايخ الصوفية وأحزابهم وكتبهم، فهى -ولا شك- صارفة عن الحق، مفرقة للأمة،باعثة على الشقاق والفوضى.
نعوذ بالله من علمٍ لا ينفع ..
ومن كتبٍ باطلةٍ، تصرفنا عن كتاب الحق
وإليك -يا أخي- ما طلبت من إجابة، على ما أرسلت من أسئلة:
1️⃣ الأبدال
في المسند حديثان عن الأبدال:
أحدهما: ما جاء في مسند علي عن شريح بن عبيد، قال: (لا ذكر أهل الشام عند علي رضى اللهعنه -وهو بالعراق- فقالوا: الفهم يا أمير المؤمنين، قال : لا، إني سمعت رسول الله ﷺ يقول: (الأبدال بالشام، وهم أربعون رجلاً، كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلاً يسقي بهم الغيث،وينتصر بهم على الأعداء، ويصرف عن أهل الشام بهم العذاب).
وثانيهما: حديث عبادة بن الصامت مرفوعاً: (الأبدال في هذه الأمة ثلاثون مثل إبراهيم خليل الرحمن، كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلاً).
والحديث الأول: من طريق شريح بن عبيد الحضرمي الشامي، قال ابن عساكر: (هذا منقطع بينشريح وعلي، فإنه لم يلقه.
قال أحمد شاكر: (هذا هو الصواب).
ووهم الهيثمي اغتراراً بما ذكره المِزي فى ترجمة شريح، وقد تعقبه ابن حجر.
والحديث الثاني: ذكر الإمام أحمد سنده و بعض متنه ثم قال: فيه كلام غير هذا، وهو منكر، وهومن طريق الحسن بن ذكوان عن عبد الواحد بن قيس عن عبادة وفيه أمور:
الأول: إن فى الحسن وعبد الواحد كلاماً شديداً (راجع ترجمتها في التهذيب).
الثاني: أن الحسن يدلس تدليسًا شديداً؛ يسمع الخبر من كذاب عن ثقة فيذهب يرويه عن ذلكالثقة ويسقط اسم الكذاب.
الثالث: أن عبد الواحد بن قيس لم يدرك عبادة.
**
2️⃣ الوسيلة
ورد لفظ (الوسيلة) في القرآن الكريم مرتين في سورتي:
المائدة الآية ٣٥، والإسراء الآية ٥٧
﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون﴾
﴿قل ادعوا الدين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا أولئك الذينيدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كانمحذورًا ﴾
والوسيلة في اللغة: القربة.
يقول الراغب: (والوسيلة: التوصل إلى الشيء برغبة، وهي أخص من الوسيلة، لتضمنها معنى(الرغبة)، وحقيقة الوسيلة إلى الله: مراعاة سبيله بالعلم والعبادة، وتحري أحكام الشريعة، وهيكالقربة.
ويقول صاحب لسان العرب: الوسيلة -في الأصل- : ما يتوصل به إلى الشيء، ويتقرب به إليه،وذلك بعد أن فسر الوسيلة بالمنزلة عند الملك وبالقربة، وقال: ووسل
فلان إلى الله وسيلة؛ إذا عمل عملا تقرب به إليه.
وجاء فى القاموس: الوسيلة والواصلة: المنزلة عند الملك، والدرجة، والقربة، والوصلة.
وقال الجوهري: (الوسيلة: ما يتقرب به إلى الغير ،والتوسيل والتوسل واحد، يقال: وصَل إلى اللهتعالى توسيلا؛ عمل عملا تقرب به إليه.
ولا يكاد يخرج تفسير أئمة السلف لها عن هذه المعاني، فقد روي تفسير الوسيلة بالقربة عنحذيفة، وصححه الحاكم.
وروى ابن جرير عن عطاء ومجاهد والحسن وعبد الله بن كثير وقتادة في تفسير الآية ، أنه قال: تقربوا إليه بطاعته، والعمل بما يرضيه.
وروى عن ابن زيد تفسيرها بالمحبة، قال: ﴿وابتغوا إليه الوسيلة﴾ أي: تحببوا إلى الله، وعنالسدى: أنها المسألة والقربة.
وروى ابن الأنباري: أن نافع بن الأزرق سأل ابن عباس عن الوسيلة، فقال: الحاجة، قال: وهلتعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت عنترة وهو يقول:
إن الرجال لهم إليك وسيلة ••
أن يأخذوك، تكحلي، وتخضبي
ولم يرو ابن جرير هذا، وإنما استدل بالبيت على تفسير الوسيلة بالقربة، وإرادة القربة من البيتأظهر من إرادة الحاجة على أنه لا ينافيه، كما أنه لا ينافيه تفسيرها بالمحبة.
***
ومن استعراض ما قاله أئمة اللغة ونقلتها ، وما رواه أئمة التفسير بالمأثور ، يستطيع أن يقرر أنالوسيلة هي: ما يتقرب به إلى الله تعالى.
والذي يتقرب به إلى الله تعالى هو : الواجب والمستحب.
أما المباح والمكروه والحرام فلا يتقرب به إليه سبحانه. ولا يمكن معرفة الواجب والمستحب إلاعن طريق الرسول ﷺ فالوسيلة التي أمر الله الخلق بابتغائها؛ هي التوسل إليه باتباع ما جاء بهالرسول ﷺ.
ولكنه على الرغم من وضوح دلالة لفظ (الوسيلة) على معنا؛ فإن الناس قد اختلفوا فيه اختلافاًكثيراً؛ وإنما نشأ هذا الاختلاف لأنهم الحرفوا باللفظ عن وضعه الاخرى ومدلوله الشرعي ،وحملوه مالا يطيق من معان ومفاهيم ، يقول الإمام بن تيمية : (إن لفظ الوسيلة والتوصل فيهإجمال واشتباه يجب أن تعرف معانيه، ويعطي كل ذي حقه حقه، فيعرف ما ورد به الكتابوالسنة من ذلك ومعناه، وما كان يتكلم به الصحابة ويفعلونه، ومعنى ذلك، ويعرف ما أحدثهالمحدثون في هذا اللفظ ومعناه، فإن كثيراً من اضطراب الناس في هذا الباب هو سبب ما وقعمن الإجمال والاشتراك في الألفاظ ومعانيها، حتى تجد أكثرهم لا يعرف في هذا الباب فصلالخطاب).
***
3️⃣ الصوفية
الدليل على أن الصوفية بدعة هو اسمها نفسه .. فأنت لا تجد هذه الكلمة في كتاب ولا سنة ، . . ولم ينطق بها واحد من الصحابة !!
بل .. إن هذه اللفظة غريبة عن اللغة العربية، ولا أدل على ذلك من اختلاف الصوفية، حولتفسير لغوي لكلمة الصوفية ... !!
هذا من ناحية الشكل ...
أما من ناحية المضمون ... فإني أدعو السائل الكريم إلى مراجعة كتب الصوفية ليرى انحرافهمفي العقيدة، والأخلاق، والعبادة ....
فهم في العقيدة حلوليون، يقولون بحلول الخالق في المخلوق!
وهم في الأخلاق انحلاليون، يعتبرون الشذوذ الجنسي، كرامة وقربى إلى الله !!
وهم في العبادة مبتدعون !!
ولو رحتُ أعدد لك نماذج مما جاء في هذه الكتب لضاق بي الوقت .. والصدر !
وسأقدم للمطبعة قريباً كتاباً جديداً عنوانه: ( الصوفية بدعة ضد الإسلام ) [2]
4️⃣ الشرك
الشرك صفات من اتصف بها كان مشركاً، وكذلك سائر الصفات المذمومة كالزنا، والفسق،والنفاق، والظلم، إذ العبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب كما يقول الأصوليون.
ثم .. إذا صح ما تقول، كان معناه: أن كل حكم نزل في سبب مخصوص، في قضية مخصوصة، لايتعداها إلى غيرها، وهذا باطل، ظاهر البطلان، وفيه ما فيه من تعطيل لكثير من آيات القرآنالمبين، وأحكام الدين؛ فإن آيات الحدود، والجنايات والمواريث والديات، نزلت في قضاياخاصة، قد مضت ومضى أهلها الذين نزلت فيهم.
يقول ابن القيم في تفسيره لقوله تعالى:
﴿قل ادعوا الذين زعمتم من دونه لا يملكون مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض وما لهمفيهما من شرك ، وماله منهم من ظهير﴾
إن القرآن مملوء من أمثالها ولكن أكثر الناس لا يعلمون بدخول الواقع تحته، ويجعلونه في قومخلوا ولم يعقبوا إرثًا، وهذا الذي يَحُول بين قلوب الناس وبين فهم القرآن ...
وبعد:
فهذا يا أخي العزيز، بعض الإجابة على بعض الأسئلة
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
محمد جمیل غازي
📚 مجلة التوحيد/عام 1395هـ/العددان10-11/ صـ55-62.
_________________________
•• حواشي الشيخ ••
[1] نكتفي بهذا المقدار من أسئلة الأخ الكريم، لأنها -في نظرنا- أهم من غيرها.
[2] هذا الكتاب عبارة عن مجموعة من (التحقيقات الصحفية) التي أجرتها معي (مجلة التعاون) القاهرية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق