الأحد، 3 يناير 2021

هذا ما صنعه الشيخ حامد الفقي في الحرب العالمية الثانية

جاء في جريدة "القاهرة" في عددها الصادر بتاريخ 2-1-1959م تحت عنوان: (المحارِب الذي ألقى سلاحه واستراح "الشيخ حامد الفقي") للكاتب الكبير محمد صبيح رحمه الله:

(..ورجلٌ آخر يُقَدَّر لي اليوم أن أودِّعه في هذه اليوميات، اِختار جِوار ربه، وهو أكرمُ جِوار، هذا الراحل العزيز هو الشيخ محمد حامد الفقي رئيس جماعة أنصار السنة المحمدية.

هو المسلم المناضل عن عقيدةٍ آمن بها وتملَّكَتهُ، وسعى إلى خدمتها ما وَسِعَهُ الجهد، ووجد مِن حوله أنصارًا كثيرين، إنه الرجل الذي توفَّر على خدمة عشراتٍ من المؤلفات الإسلامية لمدرسة ابن تيمية والإمام محمد بن عبدالوهاب، وقدم منها لقراء الفكر الإسلامي مكتبة كاملة.

إنه كان أيضا سفير القاهرة إلى المذهب الوهابي في البلاد السعودية [1]، لم تكُفْ رحلاته إليها، ولم يفته موسم حجٍّ إلا لعذرٍ قاهر، ومانع لا قِبَلَ له به.

إن هذا الرجل عاش في معركة لا تهدأ في سبيل ما اعتَقَدَ أنه الصوابُ، اتصلَت بيني وبينه معرفةٌ طيبة وصداقة كريمة منذ عشرين سنة أو تزيد.

حبَّبَتْهُ إلى نفسي وطنيّةٌ في فؤادهِ وكرهٌ للاستعمار لم يكن يعرفه إلا الذين خالطوه عن كثب.

إنه الرجل الذي كان يصحبَني في جوف الليل -مطالع أيام الحرب العالمية الثانية- إلى مطبعته، لكي نقوم معًا بطبع المنشورات ضد الإنجليز والاحتلال البريطاني، وعندما كان النور الكهربائي ينقطع عن المطبعة في حي عابدين، كان يذهب إلى بيته عبر ميدان عابدين، ويحمل مصباحًا بالكيروسين يُخفيه تحت عباءته، ويعود لنُتابِع هذا العمل الخطر المضني، الذي لو وقف عليه "البوليس" السياسي أو عملاء المخابرات لزجّوه في السجن وصادروا مطبعته وهي مصدر رزقه.

لقد اعتقلني الإنجليز بعد ذلك ولم أجد رجلًا أُودعُ لديه مكتبتي ومجموعات كتب الشهر إلا الشيخ حامد الفقي، الذي ضاق بيته بهذه الوديعة، حتى انتهت الحرب، وانتهت أيام الاعتقال .. إني أذكره الآن .. أذكر أنه الرجل الذي حضر عقد قراني، وشهد على العقد، وتلا دعاء الزواج وخطبته.

إنه الرجل الذي قد أُخالفه في بعض آرائه، ولكني احترمتُه دائمًا، وقدَّرتُه دائمًا، وذُّدت عن حريته في إبداء رأيه، وبث نشاطه، إنه رجلٌ محاربٌ لم يكف عن النضال لحظة حتى جاءه بِدَورِهِ الزائرُ الذي لا يملك كلُّ حي إزاءهُ إلا الصمت والسكون الطويل، إنه الموت.

إني لا أشك في أنَّ تلاميذ الشيخ حامد الفقي وأنصارَه في كل مكان سوف يتابعون سُنّتَه، سنة الرجل الذي يجعل من الكتاب المؤلَّف السلاحَ الأول للدفاع عن الرأي.

ويواصلون إمداد المكتبة الإسلامية بالكثير من المؤلفات التي كان الفقيدُ يعني بإصدارها.

رحم الله الشيخَ حامدًا . فهو أيضًا يسبقنا إلى رحاب العلي الأعلى).  


-------------------------------------------------------------------------------------------------------------

[1] لم يُوفَّق الأستاذ محمد صبيح -رحمه الله- في العبارة؛ فلقب الوهابية نعت اختلقه أهل البدع والمشركين على أهل التوحيد والسنة الذين نصروا دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- في دعوته، وهي عادة أهل الباطل في تشويه صورة أهل الحق، كوصف أهل السنة اليوم بـ (الجامية)، و (المندكارية) في الكويت و (الفركوسية) في الجزائر، وهكذا، وما محمد بن عبدالوهاب إلا رجل صالح دعا الناس بالحكمة إلى العودة لكتاب ربهم والاهتداء بسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق