الحمدلله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فقد سألني أحد الأحبة:
ما حكم تقليد الأصوات البشرية للآلات الموسيقية، وماحكم الاستماع لتلك المقاطع؟ وإن كانت محرّمةً فما الدليل؟ وهل يبطل قياس اللسان والشفتين بالآلات الموسيقية لكون المعازف آلات مصنوعة من أوتار وطبول ومزامير وغيرها، فيكون قياسها مع الفارق؟
الجواب:
أولا: إن الله عز وجل حرم الغناء والمعازف والموسيقى لأسباب عديدة، منها:
١-أنها سبب لضلال الناس عن سبيل الله، قال تعالى:﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾.
قال ابن مسعود -رضي الله عنه-:"هو والله الغناء"
٢- أنها مزامير الشيطان، قال تعالى: ﴿وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ﴾ قال ابن عباس -رضي الله عنهما- : "الغناء والمزامير واللهو".
٣-قال ابن مسعود: "الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع".
٤-عدم اجتماعها مع القرآن في قلب المؤمن: قال الإمام ابن القيم -رحمه الله- في نونيته:
حُب الكِتاب وحب ألحانِ الغناء *** في قلبِ عبدٍ ليس يجتمعانِ
وقال القحطاني -رحمه الله- في نونيته:
لا خير في صورِ المعازف كلها ***
والرقص والإيقاع في القضبان
إن التقيَّ لربه متنزهٌ ***
عن صوت أوتارٍ وسمع أغانِ
وهذا لا يعني أن الذي يسمع الأغاني لا يقرأ القرآن ولا يحفظ منه شيئا، ولكنا نقول أن الناظر لحال من أُشرب قلبه حب الغناء والطرب لا ينتفع بما يقرأ! فقلبه كالصفوان الصلد... لا يخشع بذكر الله، بل لا يكاد يمتثل لأوامر الله ونواهيه إلا ما ندر، ولا يتعظ من ترغيب ولا ترهيب، ومع هذه الابتلاءات الفظيعة تجد أن الله قد حرَمه من لذة تلاوة القرآن الكريم، ومن تدبر معانيه، فلا تجد له ورداً، ولا على لسانه ذكراً، وتدبروا حال أهل الغناء والمجون ...
وهذا أمر طبيعي فكلام الرحمن لا يجتمع مع مزامير الشيطان.
ثانياً: إذا تقرر ذلك علِمنا أن التحريم راجع إلى المسموع، وإن اختلفت صوره، وتنوعت طُرُقه، سواء كانت هذه الأصوات الموسيقية والمعازف صادرة من أجهزة الحاسوب أو الهواتف النقالة أو بتقليد البشر لأصوات الآلات عن طريق اللسان والشفتين والأحبال الصوتية وغيرها.
فالعلة التي من أجلها حرم الله الآلات الموسيقية متوفرة في الأشياء التي ذكرناها آنفاً، فالعبرة إذن بالمسموع لا المصنوع، والعبرة بما يشبه المعازف من أصوات لا اختلاف الآلات.
ثالثاً: فإن قال قائل: ما الداعي للقياس؟ فلا يوجد دليل قطعي من القرآن أو السنة على منع تقليد المعازف؟
فنقول: أن الأدلة الشرعية المتفق عليها عند أهل الإسلام (٤) وهي:
الكتاب - السنة - الإجماع - القياس.
ودليل مشروعية القياس قوله تعالى: ﴿فاعتبروا يا أولي الابصار﴾ اي قيسوا حالكم يا أولي الأبصار بالأمم السابقة الذين عذبهم الله بذنوبهم فلا تكونوا مثلهم.
ولما أرسل رسول اللهﷺ معاذ بن جبل إلى اليمن أمره بتحكيم كتاب الله وسنته ﷺ، ثم قال رسول الله لمعاذ: (فإن لم تجد؟) قال معاذ: (اجتهد رأيي).
والرأي يدخل فيه القياس، وهو أن يقيس مسألةً على مسألةٍ، فأقرّه رسول الله ﷺ.
رابعاً: سؤال لمن أجاز تقليد المعازف بحجة أنها ليست آلةً مصنوعة:
ما حكم مشاهدة عورات الرجال والنساء في الأفلام الخليعة عبر التلفاز أو الهواتف النقالة؟
فإن قال: لا شك أنها محرمة، وهذا قياس خاطئ لأن هذه المشاهد طبق الأصل!
قلنا: وهذه الأصوات طبق الأصل من المعازف! لماذا قلت أن الأفلام الإباحية محرمة؟ أليست أصل هذه المقاطع المرئية ذبذبات ضوئية؟
فإن قال: نعم، ولكنها تثير الغرائز، وهي كمن ينظر إلى المحرّم مباشرة.
فنقول: وكذلك تقليد الأصوات، تطرب الأسماع، وتثير النشوة، وعملها في النفس كعمل الآلات تماما.
خامساً .. وأخيراً:
أذكر اخواني المسلمين والمسلمات بتقوى الله، والابتعاد عن الشهوات، ومراقبة الله في الأعمال، وتذكروا ان الاستبراء من الشبهات نجاة من الوقوع في مزالق الشيطان.
قال ﷺ: (إن الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه).
والحمدلله رب العالمين
كتبه أبو عمر عبدالله الهزاع
الجمعة ١٦ -رمضان- ١٤٣٦ هـ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق