الحمدلله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فهذا سؤالٌ يرد على الأذهان:
(كيف نعمل بوصية أهل العلم الكبار
بترك التحذير بين طلبة العلم السلفيين فيما بينهم، والقيل والقال ، والتهاجر والتشاحن والتباغض.
فلو فعلنا ذلك لقيل لنا: أنتم مميعة، حزبية، تداهنون أهل بدع وغيرها من التهم) ؟
والجواب على هذا السؤال :-
أولاً: قال تعالى: ﴿فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا﴾.
فالعمل عند حصول النزاع في أمر من أمور الدين الرجوع إلى الوحي المبين، وعرض أقوال الرجال على كلام الله ورسول رب العالمين، فما وافقهما كان العدول عنه ضلال وابتداع في الدين.
ولابد استحضار قاعدة إمام دار الهجرة -رحمه الله- "كل يؤخذ من قوله ويرد إلا النبيﷺ"، فكلام العلماء ليس وحياً منزلاً، بل هو قابلٌ للأخد والرد، ومحتمل للصواب والبطلان...إذ هم بشر غير معصومين!
ثانياً: إذا أشكل الترجيح في أمر شرعي لابد من حسم المسألة بالرجوع لأهل العلم الذين عرفوا بالعلم والصلاح، قال تعالى:﴿فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون﴾، وقال سبحانه:﴿إنما يخشى الله من عباده العلماء﴾.
ثالثاً: بناءً على ما تقدم، فإن الرجوع للمسائل التي قد تجر أصحابها للفتن كمسائل التبديع، وما يتبعها من هجر وتحذير...يرجع فيها لكبار العلماء الذين عرفوا بسلامة المنهج، ورجحان العقل، وصفاء الخاطر، والورع والتقوى، والحلم والأناة، والتوسط في الجرح والتعديل.
رابعاً: إذا بدع شيخٌ شيخاً معروفاً بصلاحه وسلامة عقيدته ومنهجه، فعليه أن يأتي بجرح واضح مفصل، لا مجال للشك فيه والاحتمال، وإن أجملَ رُدّ جرحُه.
قال الإمام أحمد: (كل رجل ثبتت عدالته لم يقبل فيه تجريح أحد حتى يبين ذلك عليه بأمر لا يحتمل غير جرحه) [تهذيب التهذيب ٣/ ٢٧٣].
وقال الإمام ابن عبدالبر: (والصحيح في هذا ان من صحت عدالته، وثبتت في العلم أمانته، وبانت ثقته وعنايته بالعلم: لم يلتفت فيه إلى قول أحدٍ إلا أن يأتي في جرحته ببيِّنة عادلة؛ تصح بها جرحته على طريق الشهادات) [جامع بيان العلم وفضله ٢ /١٨٧].
خامساً: ينبغي أن ينتبه طالب العلم لأمر مهم في المسألة، وهو أن بعض المشايخ قد تغلبه الغيرة أو الحسد أو حظوظ النفس -لخلاف شخصي بينه وبين شيخ- أو الوهم، أو غيرها من الأمور التي تعتري بني البشر، وفتنة الإمام البخاري مع الشيخه الذهلي أكبر شاهد على ذلك.
فلهذا حذر العلماء الربانيين من مسلك (الإلزام باجتهاد بعض المشايخ في الجرح والتعديل وموالاة من وافقهم ومعاداة من خالفهم) كسماحة المفتي عبدالعزيز آل الشيخ والعلامة صالح الفوزان وشيخنا العلامة عبدالمحسن العباد وغيرهم.
سادساً: وهنا سؤالٌ صريح:
مَن مِن المشغّبين يلزم نفسه وغيره بكلام الشيخ الفوزان في مسائل التبديع؟
أو بعبارة أخرى: ما وقْع كلام العلامة الفوزان في نفوس أولئك الإخوة المعنيين حين يأمر طلبة العلم بالكف عن التفرق والتهاجر والتحذير؟
فإن سمحوا لنا الإخوة باتباعه، فجزاهم الله خيرا، وإن أبوا إلا أن نقلد الشيخ فلانا وفلانا ونهمش كلام الفوزان (في هذه النوازل!) فاعلموا أنهم ينطقون عن جهلٍ وهوى، وأنهم واقعون في وحل الحزبية ويرتعون في مستنقعها من حيث يشعرون أو لا يشعرون!!
فهم يدْعون الناس للتمسك بفتوى الشيخ صالح الفوزان وهيئة كبار العلماء في نوازل الجهاد والدماء والخروج و..الخ، وفي الوقت نفسه لايرون لكلامهم في مسائل التبديع وزناً.
وكلامي هذا ليس عن تخمين وإنشاء، بل حقيقة مرة وواقع أليم نراه ممن ابتلاهم الله بداء التقليد...وإلا أخبروني إذا قال المفتي أو الفوزان: (اتركوا كلام فلان في فلان) هل سيكون لكلامهما تأثير في الساحة ؟!
الجواب يعرفه الجميع
سابعاً: إن من أبرز ملامح أهل السنة والجماعة أن دعوتهم تجمع ولا تفرق.
فبالتالي ينبغي لطلاب العلم الانشغال بالعلم، والتفقه في الدين، فمتى طلبتَ العلم عرفت الحق من الباطل.
ثامناً: إن السلامة لا يعدلها شيء، فاترك البحث والتفتيش عن كلام العلماء فيما بينهم، واحفظ لكل عالمِ سُنة قدره، ولا تخض في كل فتنة، فلستَ مطالباً بتسجيل مواقفك في كل فتنة بين السلفيين، وليتق الله من يلزم إخوانه بذلك إذ هو تكليفٌ بما لا يطاق.
تاسعاً: أوصي نفسي وإخواني بالتمسك بوصية الشيخ صالح الفوزان وغيره بترك التشاحن والتباغض بين السلفيين، وترك التهاجر والتنافر الذي بينهم لاسيما الذين في بلاد الكفر، فهم أحوج منا إلى اجتماع الكلمة وتوحيد الصف.
اسأل الله أن يعز السنة وأهلها، وأن يجمع كلمة مشايخنا وعلمائنا، إنه سميع الدعاء.
والحمدلله رب العالمين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق