الاثنين، 17 نوفمبر 2014

كيف نواجه الإلحاد ؟! لفضيلة الشيخ / د. صالح بن عبدالعزيز سندي -حفظه الله-

((الحمدلله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون)) والصلاة والسلام على البشير النذير والسراج المنير، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فإن الأدلةَ العقلية والنقلية والحسَ والفطرة شاهدة بأنَّ ربنا -تبارك وتعالى- هو المتفرد في ربوبيته، المتوحد في ألوهيته، عز سلطانه، وعظم جلاله، وعلا شأنه، ونفذ أمره، وكمل بهاؤه.

فهو الأول الذي ليس قبله شيء، والآخر الذي ليس بعده شيء، والظاهر الذي ليس فوقه شيء، والباطن الذي ليس دونه شيء، فسبحان من شهدت بوحدانيته المخلوقات، وخشعت لعظمته الكائنات، وافتقرت إليه جميع البَرِيّات، فلا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً، ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً.

أيها الإخوة الكرام...
إنّ وجودَ الباري -تبارك وتعالى- وربوبيته وألوهيته قضيةٌ هي أظهر من كل شيء على الإطلاق، بل هي أظهر للبصائر من الشمس للأبصار، وأَبيَن للعقول من كل ما تعقله وتقر بوجوده، فما ينكر هذا الأمر إلا مكابرٌ بلسانه وقلبه وعقله، وفطرته تكذبه !

إنّ كل ما تراه بعينك أو تسمعه بأذنك أو تعقله بقلبك وإنّ كل ما نالته حاسة من حواسك فهو دليل عليه -تبارك وتعالى- فطرق العلم بالباري تبارك وتعالى- ضرورية ليس فيها أدنى شك، ولذا قالت الرسل لأممهم: ((أفي الله شك فاطر السماوات والأرض))؟ فخاطَبوهم مخاطبةَ من لا ينبغي له أن يخطر له شكٌ ما في وجوده سبحانه وتعالى-، بل في ألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته.

ومع كون هذه القضية أظهر القضايا وأوضحها إلا أنه وُجد شُذَّاذ من البشر أنكروها، وأضحت فتنتهم وباءً وغزوا مُركَّزاً يتوجه إلى ناشيئة المسلمين وشبابهم، فيصيب عقيدتهم وأخلاقهم في مقتل، فلذا .. كان الوقوف في وجه هذه الفتنة النكراء، وهذا الإرهاب الفكري من أعظم الجهاد في سبيل الله لأنه دفع للصائل عن الدين والدنيا معاً.

قبل أن أسترسل .. أنبه إلى أنه قد يقول قائل:
"الملاحدة في المجتمع المسلم شيءٌ شاذٌ ونادر، فلماذا هذا الموضوع؟"
والجواب أن يقال:
على تسليم أن هذ ا  المرض العُضال قليلٌ في المجتمع المسلم، فهل من الحكمة أن نتجاهله وأن نعرض عن الكلام عنه؟
هل من الحكمة والعقل أنه إذا اكتشف في بلدٍ ما وباءٌ فتّاك يُهلك الحرث والنسل، ويخشى من سرعة انتشاره -لكن الحالات المسجلة ليست إلا حالة أو اثنتين فقط- هل من العقل والحكمة أن نعرض عن هذا الشأن بالكلية لأن المصابين قليل؟
أم أن من الحكمة والعقل أن تُستنفر الجهود والقوى لدفع هذا الوباء؟
لاشك أن هذا هو المتعين والمتحتم في أوبأة الدنيا، فما الحال مع أعظم وباء وهو وباء جحد الخالق تبارك وتعالى- والكفر برسالاته وأنبياءه؟

لكن نحن نحتاج مع ما سبق حين نطرق هذا الموضوع إلى الجمع بين الشجاعة والصراحة وبين الاتزان والعقل، ثم أن نتجاوز التنظير إلى العمل، ومن طرح الأفكار المجردة إلى الخطوات الفعلية.
إن الأفكار التي تنزع إلى الإلحاد أو اللادينية وما لفَّ لفَّ هذا المنهج لا شك أنه قد بَذَرَ بذرته في المجتمع المسلم، ووصل غبار ذلك إلى مجتمعنا، هذه حقيقة لا يعتريها شك !

نعم .. وجود ذلك في الواقع شاذ وسيبقى شاذاً بإذن الله- لكن المُقلق مجرد دخول هذه الأفكار، ولو صمتنا وصمَمنا آذاننا فسيكون الواقع أشد خطراً.

الواقع والحقيقة التي لا أظن أن يجدال فيها أحد : أن كثيراً من شبابنا ليسوا مُحَصَّنين التحصين الكافي أمام سيل الشبهات والشهوات .. وهذا مقلق حقاً، لكن مع الاستعانة بالله أولاً، ثم الجد والنشاط في مواجهة هذا الفكر الباطل فسيضمحل بتوفيق الله كيدُ الكافرين ((وأن الله موهن كيد الكافرين)).

إن وسائل مواجهة الإلحاد كثيرة لكن ينبغي أولاً أن نعيَ أنّ إنحراف من انحرف أو سقط في قذارة الإلحاد من شبابنا، وأنا أخص شبابنا بالحديث لأنهم الفئة المستهدفة غالباً من أرباب الإلحاد.

أقول:
في الغالب لن يقع أحدٌ في أُتون الإلحاد إلا من تقصيرٍ بوجهٍ ما من ذوي المسؤولية التربوية والعلمية والدعوية: كالأسرة، والمدرسة، والجامعة، والإعلام، والموجِّهين، والدعاة؛ واستشعار هذه المسؤولية قبل كل شيء من الأهمية بمكان، بل هو الخطوة  الأولى في العلاج.

سُبل المواجهة لهذه النزعة الباطلة، نوعان: وقاية، وعلاج؛ وأولهما أهمُّهما.

المقصود بسبل الوقاية هو الأسباب التي تحول بتوفيق الله جل وعلا- بين الشباب المسلم وبين الوقوع في براثن الإلحاد، بمعنى: كيف أن نصنع حاجزا بينهم وبين هذه النزعة النكراء؟

*هذا له أسبابٌ ووسائل يمكن أن أخلص أهم ذلك فيما يأتي:

أولاً: السعي في الوصول بالشباب والناشئة إلى ذوق طعم الإيمان ووجدان حلاوته.
من خلال التأمل في صفات الله -تبارك وتعالى- .. من خلال التأمل في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم- وشمائله .. من خلال التأمل في محاسن الإسلام؛ وفي صحيح مسلم قال صلى الله عليه وسلم- : (ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم- رسولاً).لابد أن يطرق آذانهم باستمرار ما يرسِّخ هذه الأمور الثلاثة.

ثانياً: غرس العقيدة الصحيحة في النفوس بكل وسيلة.
بالدروس بالمحاضرات، بالخطب، بالبرامج، بالمناهج .. بكل طريق، لاسيما الأصول التي يؤدي الرسوخ فيها بتوفيق الله إلى تفكيك الشبه الإلحادية:
-تحقيق التوحيد في جانب الربوبية .. إثبات وجوده -تبارك وتعالى- بآياته ومخلوقاته.
-الإيمان بالغيب.
-تعظيم النصوص.
-بيان حقيقة الإيمان وحقيقة الكفر.
-العلاقة بين العقل والنقل.
-أيضا قضية الإيمان بالقضاء والقدر، واعتقاد الحكمة في أفعال الله جل وعلا-، وأن يُوضَّح لهم أن ثبوت الحكمة في خلق الله وقدره لا يعني معرفة كل تفاصيلها.
-كما يجب أن تُعاد الهيبةُ للمواد الشرعية في المناهج التعليمية، أن يربى الطلاب على أنها هي الأصل والأعظم والأجدر بالاهتمام، وأن تكون لها الصدارة بعدد الحصص في أوقاتها وفي الدرجات.
الثالثاً: تقوية شعورهم بالاستعلاء الإيماني والنعمة الإيمانية، واليقين بأن الله -جل وعلا- مع المؤمنين يكلأهم برعايته ويمدهم بعونه وتوفيقه، ثم منقلبهم في الآخرة جنات النعيم حيث غاية لذتهم رؤية البر الرحيم تبارك وتعالى- .

رابعاً: الترشيد الثقافي.
بمعنى: ملاحظة مصادر التلقي التي يستقي منها الشباب أفكارهم، فيلاحظون فيما يقرأون .. فيما يتابعون من قنوات .. فيما يدخلون من مواقع .. لا يترك لهم الحبل على الغالب؛ إن من أعظم الأخطر يا أيها الإخوة- أن يسمح للناشئ بأن يبحر في الشبكة كيف شاء دون رقيبٍ أو حسيب.

إننا نعيش اليوم مُعضلة وهي أنه قد أضحى لكل شاب أو فتاة عالمٌ خاصٌ به وبها: مجموعاتٌ خاصة أو كما تسمى اليوم بـ "القروبات"- ، مواقع، حساب في "تويتر" أو "الفيس بوك" أو "الإنستغرام" .. جهازٌ خاص .. وباءٌ مغلق ! ولا يدري القريب والبعيد عن هذا العالمِ شيئاً.

وهنا أيها الإخوة- يَكمُن الخطر، أُنبِّه هنا أيها الإخوة- إلى أنه لا بد أن يكون بيننا وبين الشباب والناشئة .. بين أبنائنا وإخواننا في البيوت وسائل تواصل قوية، نحتاج .. حتى نصل إلى الطمأنينة .. إلى تحقيق الأمن الفكري.

أن تكون العلاقة بين الابن وأبيه .. بين الأخ وأخيه .. بين المعلم والتلميذ أن تكون علاقة صداقة، بحيث يكون (الأب،الأخ،الأستاذ) الصدر المفتوح أمامه ليبثه الشبه التي تعرض له .. الأسئلة التي تُحيّره .. بدل أن يذهب فيبحث عنها بعيداً وربما سقط في جحور العقارب والحَيَّات.

خاسماً: تأصيل المنهج الشرعي في التعامل مع الشبهات.
بالنَّأيِ عنها والسعي في كشفها، وهذا يا أيها الإخوة- أمر مهم ينبغي أن نُعنى بغرس هذه القضية في نفوس الناشئة وهو أنّ الشبهة داء، ولا ينبغي التعرض للداء، والسلامة كما قال السلف لا يعدلها شيء، ومنع المبادي أولى من قطع التمادي.
الشبهة فتنة .. والنبي صلى الله عليه وسلم- قال كما في سنن أبي داود: (إنّ الفتن من اسشرف لها استشرفت له)، وعليه .. فيجب أن يُقنع الناشئة وغيرهم أيضاً بأن لا يرخو أسماعهم لمن يبث في نفوسهم الشُّبه .. الشبه خطّافة .. والقلوب ضعيفة، فالاستماع للشبهة إذن مغامرةٌ غير محسوبة العواقب ! كم من إنسان ظن من نفسه القوة والعلم فوَلَج إلى موقع أو استمع إلى مُلَبِّس فوقع في صدره شبهةً لم تخرج منها، بل صرعتهُ وفعلت به الأفاعيل، ثم إنه إذا ابتلي بذلك عن غير تنقير فعليه أن يلجأ إلى الله -جل وعلا- في أن يعافيه منها، ثم أن يراجع على عجل أهل العلم لكشفها ..
هذا هو الحق المبين، وما سواه فتلبيسٌ مكشوفٌ يُسوِّقه دعاة الضلالة الذين يدعون إلى انفتاحٍ ثقافي غيرٍ منضبط، والهدف: أن يترك الشباب نهباً لهم فيوجهونهم إلى حيث شاءوا.

سادساً: رعاية شباب المسلمين المبتعثين إلى بلاد الكفر.
علمائنا يا أيها الإخوة- قد حسموا الباب، وبينوا ما يحل من الابتعاث وما يحرم وما ضوابط الحل، والواقع الذي نعيش فيه .. فيه مشكلة لا ينكرها عاقل، والواجب على الغيورين ألا يقفوا مكتوفي الأيدي ويتركوا هؤلاء الشباب وهم حدثاء الأسنان، قليلوا التجربة صيداً سهلاً لهؤلاء الملاحدة ولهذه الأفكار الهدامة.

لا يجب أبداً أن نُقدِّر أنّ على قلوب الشباب المبتعثين سواترَ حديدية تمنع من تسلل الأفكار الضالة إلى قلوبهم .. وهنا أرفع صوتي مُخاطباً الحريصين على هؤلاء الشباب من مؤسساتٍ وأفراد إلى أن يولوا هذا الموضوع الاهتمام اللائق به..
أن يضعوا البرامج التي تهدف إلى تحصين الشباب قبل ذهابهم وبعد ذهابهم.

إنّ على الجهات الرسمية التي تُعنى بالدعوة والإرشاد والملحقيات الثقافية وغيرها واجبٌ في توعية الشباب وتحريرهم، وأن يكونوا الصدر الواسع الذي يحتضنهم، والذي تتكسر على عتباته أمواج الشك التي قد تحيط بهم.

على الدعاة ألا يغيبوا عن ساحة النصح، وأن لا يهملوا هؤلاء الشباب ..
على أهل هؤلاء الشباب وأصدقائهم واجبُ المتابعة والملاحظة وتقديم النصح.

سابعاً: أن تقوم الجهات المسؤولة من الجهات المعنية بالدعوة والحسبة ورعاية الشباب والتعليم وغيرها بتجفيف منابع الإلحاد واجتثاث أسبابه.
وذلك من خلال غرس قيم مراقبة الله -تبارك وتعالى- ومن خلال غرس العفة والترفع والبعد عن القاذورات الأخلاقية.
أرباب هذه الأفكار يا أيها الإخوة- يصطادون غالباً الشباب والفتيات من خلال شبكة الشهوات وأُحبولةِ النزوات، إذن يجب أن نتنبه إلى هذه القضية، ولكن.. يجب أن يكون الخطاب اليوم مناسباً لعقول الشباب.
شباب اليوم يا أيها الإخوة- ليسوا كالشباب قبل عشرين أو ثلاثين سنة .. وسائل التواصل الحديثة علمت الشباب طرائق حديثة في التفكير والنقد، وفتحت عقولهم على أشياء لم يكن يلتفت إليها في السابق..إذن لابد أن يكون خطابهم عاقلاً مُتزناً هادئاً مُقنِعا.

ثامناً: المعلم.
المعلم حصنٌ منيع بتوفيق الله من الوقوع في أُتون هذا الفكر .. عقول الناشئة مفتوحةٌ بين يدي هذا المعلم .. إذن المسؤولية الملقاة على عاتقه عظيمة.

ما الذي يضر المعلم لو خصص ثلاث دقائق في كل حصة يذكر فيها قصةً من السيرة، أو دليلاً من دلائل النبوة، أو ينبه على خلُقٍ فاضل، أو سلوكٍ خاطئ، أو يرشدهم إلى رسالة أو كتابٍ نافع؛ وهذا ليس واجب مدرس المواد الدينية فقط، بل هو واجب الجميع.

بل لو أن معلم الفيزياء أو الكيمياء أو الأحياء مثلاً- نفذ من خلال النظريات والحقائق العلمية الحديثة إلى تعميق الإيمان بربوبية الله وعظمته، وتوهين شبه الملحدين لكان في هذا الخير العظيم.

تاسعاً: الخطباء وأئمة المساجد.
يجب يا أيها الإخوة- أن تكون الموضوعات التي يطرقونها مواكبةً لهذا التحول الفكري الكبير في عقول الشباب .. اليوم هؤلاء الفضلاء -وهم قائمون بذلك ولله الحمد ولكن من باب التذكير- هم مطالبون بانتقاء الموضوع المناسب، ثم اختيار الأسلوب المناسب، فالناس اليوم في أمَس الحاجة إلى خطبة مؤثرة، وكلمة مقنعة، وجواباً عن أسئلتهم، وحلٍ لمشكلاتهم.

عاشراً: التزام الوصايا النبوية العظيمة الواردة في هذا الباب.
ومنها الإكثار من ذكر الله تبارك وتعالى- .. الإلحاد -يا أيها الإخوة- ليس قضيةً علميةً ثابتة، إنما هو مجموعة وساوس، والوساوس إنما تنفذ من خلال الشيطان، وفي حديث الحارث الأشعري عنه صلى الله عليه وسلم- قال: (وكذلك العبد لا يُحرِزُ نفسه من الشيطان إلا بذكر الله).

ثم ينبغي العمل بما جاء في التوجيهات النبوية عنه صلى الله عليه وسلم- لمن ابتلي بهذه الوساوس التي تصل إلى شكه في ربه تبارك وتعالى- وهي خمسٌ مُسْتَخلَصةٌ من سنة النبي صلى الله عليه وسلم- ينبغي أن تُعلَّم:

أولاً: أن يقول العبد: (آمنت بالله ورُسُله).
ثانياً: أن يقول: (الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد ،ولم يكن له كفواً أحد).
ثالثاً: أن يتفل عن يساره بعد هذا القول ثلاثاً.
رابعاً: أن يستعيذ بالله من الشيطان.
خامساًَ: أن ينتهي عن هذه الوساوس، فإن النبي صلى الله عليه وسلم- قد قال وقوله الحق- : (فإن ذلك يذهب عنه).

هذه عشرُ وسائل للوقاية.

أما سبيل العلاج، بمعنى: كيف نتعامل مع من وقع بالفعل في شبهةٍ أو شكٍّ تعلق بجناب الربوبية أو الرسالة أو الدين؟

هذا المقام -يا أيها الإخوة- في غاية الخطورة، فإن هذه الأفكار ليس لها أدلة أو قضايا علمية مقنعة، إنما عِمادها شبهاتٌ مُهلهَلةٌ تُزخرَف على أنها حقائق علمية قطعية، والواقع أنها لا شيء!

والأمر الثاني التشكيك في الدين بطرح إشكالات تتعلق بقضايا تشتبه على ضعيف العلم الشرعي فتوقعه في حيرة، هنا نحن نحتاج إلى أن نتعامل مع هذه الحال بقدرٍ كبير من العقل والحكمة، وذلك من خلال ما يأتي:

أولاً: يجب ابتداءاً فتح الصدور من ذوي العلم والعقل لهؤلاء الشباب الحائر، يجب أن يفسح المجال ليتحدثوا لهم وليبثوا ما يجيش في صدورهم، وأن لا يكبتوا، أو يُزجروا ابتداءاً، فعُقبى هذا إن حصل غيرُ حميدة.
اعلم أنك إن لم تحتضنه فسيذهب -كما ذكرتُ- إلى جحور الحيات والعقارب .. وما أكثرها!

ثانياً: يجب حين الاستماع لهذا الشاب الحائر المتشكك أن يُمَيز بين إنسان طبيعي وقعت في نفسه شبهة، وبين آخر مصابٍ بوسواس قهري، فهذا الأخير يجب أن يعالج في موضوع الوسواس بتدرجٍ وصبرٍ وحكمة، مع الاستعانة بالطب النفسي إن احتاج الأمر لذلك.

وليُعلم يا أيها الإخوة- أن شريحة كبيرة من هؤلاء الشباب الذين يطرحون إشكالات تتعلق بهذه القضايا هم في الحقيقة مصابون بهذا المرض أعني الوسواس القهري- وبالتالي فهم لا يحتاجون إلى إقناعٍ عقلي وإنما إلى علاجٍ نفسي.

أما الطرف الثاني فهو شابٌّ سوي لكن عنده شبهه فهذا يجب أن يُبادَر إلى اجتثاث ما وقع في نفسه سريعاً وأن لا يُهمل ولا يُسوّف، لأنها إن كانت اليوم شبهةً صغيرة، فغداً ينفخ فيها شياطين الجن والإنس فتكبر ويصعب التعامل معها.

لا تحقرنَّ سُبَيْباً            كم جر أمراً سُبَيْبُ

ثالثاً: لا ينبغي أبداً أن يتصدى لمناصحة ومناقشة ومحاورة هذا الصنف إلا طالبُ علم مؤهل، لا جاهلٌ يزيد الطين بِلَّةً كما يقال-.

الحقيقة أنّ شريحةً من هؤلاء الشباب الذين أوغلوا في هذه النزعات الضالة كان من أسباب انحرافهم وأنا أتكلم عن معرفةٍ بهذه القضية- أنه عرضت لهم إشكالاتٌ يسيرة فطرحوها على من ليس مؤهلاً فأجاب بإجابةٍ ضعيفة غير مقنعة فانعكس هذا في أنفسهم إلى اعتقاد إلى أنّ الموقف الإيماني برُمَّته ضعيف، فانسلخوا من الدين والعياذ بالله. إذن إن لم يكن عندك علمٌ فلا تغامر بهذ المسكين وإنما أرشده إلى شخصٍ مأمونٍ مؤهَّلٍ.

بقي أخيراً .. شخصٌ متمردٌ يدعو إلى الإلحاد ويقيم عليه الأدلة ويسخر من الشريعةِ وأهلها، فهذا يجب أن يرد عليه أهل العلم، ولا يجوز السكوت على باطله، وهذا له ضوابطه المعروفة عند أهل العلم.

ختاماً ..

اسأل الله تبارك وتعالى أن يملأ قلبونا بحبه وألسنتنا بذكره، وأن يوفقنا لطاعته، وأن يعيذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق