الثلاثاء، 15 نوفمبر 2016

زِد إيمانك .. بإمساك لسانك


الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:


فبعد انقطاع طويل عن كتابة المقالات، أعود بهذا المقال .. وله سبب وحادثة.


ذلك أن ظاهرةً شنيعة في وسط طلاب وطالبات العلم لازالت بانتشار، غير ممتثلين لأمره : "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرا، أو ليصمت".


فما يقوم به البعض من الخوض فيما لا يعنيه، فيلهث خلف عورات إخوانه المسلمين، ويتتبعها -بهَوَس!- ويبثها في المجالس العامة والخاصة، ويتصل على فلان وعلان لينقل أخباره.


ويزين له الشيطان سوء عمله .. فيظن نفسه داعيةَ خير !! فيتصل على أهل هذا الشخص، ليشتكي، أو يهاتف بعض المشايخ ليسألهم: ما حكم فعل (فلان) لكذا وكذا ؟ 


ألا فليعلم هذا المُبتلى وأمثاله ممن ابتلاتهم الله بهذا الداء القبيح المُقزز ! الذي يترفع عنه ذو الدين والمروءة؛ أنه قد وقع في محظورات .. بل كبائر:-


1- النميمة : قال عن صاحبي القبر اللذان يعذبان: (أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة).


وقال : (لا يدخل الجنة قتَّات)؛ أي نمّام.


2-الغيبة

قال تعالى : ﴿ وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ


وقال : (أتدرون ما الغيبة ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : ذِكرُك أخاك بما يكره ، قيل : أفرأيتَ إن كان في أخي ما أقول ؟ قال : إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته ، وإن لم يكن فيه فقد بهتَّه) .


3- الاطلاع على عورات المسلمين:

قال تعالى : ﴿ولا تجسسوا


وقال : "يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمانُ قلبَه: لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم، فإن من اتبع عوراتهم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه في بيته" . 


4- الكذب -أحيانا- وهي عادة من لا يراقب الله عزوجل، فترى شهوة لسانه تغلبه في الحديث ، فيُبهّر الوقائع، ويزيدها إثارةً ليُصغ له السامع، ويطرب له جليس السوء !


قال : " إن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذاباً"


وقال : "آية المنافق ثلاث وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم: إذا حدث كذب.."


فأنصح إخواني وأخواتي المسلمين بكفّ ألسنتهم عما يزيدهم إثماً، والانشغال في إصلاح عيوبهم وترك عثرات إخوانهم المسلمين، وليعلموا أن الإسلام بريء من فعلهم هذا، وأن (الجرح والتعديل) له قواعده وضوابطه ومقاماته، وهو غير الفضيحة والتعيير والتشفي!


قال ابن الجوزي : (ومن تلبيس إبليس على أصحاب الحديث قدح بعضهم في بعض طلبا للتشفي ويخرجون ذلك مخرج الجرح والتعديل الذي استعمله قدماء هذه الأمة للذب عن الشرع والله أعلم بالمقاصد).[تلبيس إبليس]


اللهم استر عوراتنا .. واصلح أعمالنا .. واحفظ السنتنا عما يوجب غضبك .. وقرِّبنا لما فيه السبيل لطاعتك .. وارحمنا برحمتك يا ارحم الراحمين


كتبه عبدالله الهزاع المدني

5-11-2016

الخميس، 7 يوليو 2016

ظاهرة عجيبة (العلامة محمد صادق عرنوس)

تلك الظاهرة ليست مما يخرج من باطن الأرض من زلازل وبراكين، أو يتعلق بمد البحر حين ينداح (1) أو بجزره حين ينزاح؛ وليست مما يسقط من السماء نيزكا هاويا، أو يرى في صفحتها مُذنَّباً معترضا، تلك الظاهرة إلا تكن أشيع مما تقدم خبراً فهي بلا شك أعمق منه أثراً، لأنها بدت في جونا الأخلاقي كانت حديثُ الخاصة والعامة؛ فقال قائلهم: ما بال جماعة العلماء يزجون بأنفسهم في بحر السياسة اللجي؛ فينضوون تحت راية حزبٍ أو يشايعون مبدأ، وقد جعلهم الله موازين بما استحفظوا من كتاب الله وبما كانوا يدرسون- يتحاكم إليهم الناس إذا أعضلت الأمور؛ وغشيها الديجور (2).
ولقد كتبت صحيفة النذير في عددها الصادر في (20 القعدة) كلمةً أهابت فيها بالعلماء أن يحققوا وراثتهم للأنبياء فيوجهوا نشاطهم إلى نصرة الدين، بعنوان: (أين الأزهر: نريد أن نسمع صوت شيخه الأكبر وصوت علمائه دفاعا عن الدين).
قالت:
(فاضت الصحف أخيرا بأخبار الأزهر ووفوده إلى دور الوزارات والأحزاب، وتنقلات علمائه؛ ومظاهرات طلبته، وغير ذلك مما يشعر بالنشاط الموفور والقوة الدافقة، وكم كنا نود أن نرى هذا النشاط يتجه مثمراً، وهذه القوة تُسخَّر لما فيه عزةَ الدين ومجدَ المسلمين، وكم كنا نود أن نسمع صوتَ الأزهر مطالبا وزارة الإصلاح بالتشريع الإسلامي وإلغاء البغاء وإغلاق الحانات وفرض الزكاة .. وغير ذلك من أمور الدين كما سمعناه بهتفِ بحياة هؤلاء وسقوط هؤلاء.
فإلى فضيلة الأستاذ الأكبر، وإلى أعضاء مجلس الأزهر الأعلى؛ وإلى مشايخ المعاهد الدينية وعلمائها وطلبتها.
إلى هؤلاء جميعاً نقول: أما آن الأوان لعملِ ما يرضي الله ورسوله وجهاد في سبيل الله ورسوله، لا في سبيل أغراض تُقضى أو منافع تُجنى؟
أيا ورثة الأنبياء: أوشك الميراث أن يهدر، وأوشكت الأمانة أن تضيع، فاتقوا فتنةً لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة، واعلموا أن الله شديد العقاب).
كما كتب عالمٌ نابه من علماء الأزهر هو الأستاذ محمد الأسمر الشاعر المعروف كلمةً في جريدة الأهرام بعنوان: (صور ومشاهدات . رجال الدين) يتوجع فيها من هذه الحالة ننقلها بنصها:
(رجال الدين في كل مكان وزمان هم ورثة الأنبياء وخلفاء الرسل: من أجل ذلك وجب أن يكون عملهم لله وحده، وللحق وحده؛ الناس جميعاً لديهم سواء، لا يميلون مع هذا على ذاك، ولا يميلون مع ذاك على هذا، بل هم الموازين القائمة بالقسط، ليسوا أداةَ ظلمٍ، ولا أداة محاباة، وإنما شهداء لله ولو على أنفسهم.
وإذا  كان ذلك كذلك فكيف يستطيع رجال الدين أن يكونوا شهداء لله ولو على أنفسهم إذا هم انضووا تحت ألوية الأحزاب السياسية، وأسبحوا خاضعين لها وهم الهداة الذين يوجب عليهم الإخلاص لرسالتهم أن ينضووا تحت لواء الله وحده، وأن يخضعوا للحق ليس غير؟
إن السياسة في هذه الأعوام أصبح أمرها معروفا لدى الخاصة والعامة، ورجال الدين حينما ينغمسون فيها يكونون أشبه بالأشياء بالزارع ينفض يديه من البذر والحصد وغرس الأزاهير؛ ويقف أمام الكِير ينفخ في النار ليكون حدّاداً يصنع بمطرقته ونارِهِ المسامير وأشباه المسامير.
إن رجال الدين حينما يندمجون في غير ما خُلقوا له، ينسلخون بذلك عن رسالتهم التي أعدوا أنفسهم لها وراضوا على تبليغها؛ ويكونون كمن قال الله عنه: ((واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه)).
وإذا اتبع المرء هواهعاش في حياته كما يعيش كل من يتبع هواه:
                           يوما بحزوى ويوما بالعقيق وبالـ                       ـعذيب يوما، ويوما بالخليصاء
وإن رجالا هذا شأنهم لن يبارك الله لهم، ولن يبارك الله بهم، ولقد أنصف شيخ الأزهر حينما قال في ندائه الذي وجهه إلى علماء الأزهر وطلابه: أطالبكم أن تعودوا إلى سابق العهد بكم إخوانا متحابين في الله، ناسين كل شيء إلا الأزهر ومجده، والدين وحقه، والرسالة التي أعددتم أنفسكم للاضطلاع بها والقيام بأعبائها). اهـ
فهل آن للعلماء أن يفكروا في موقفهم فيعودوا إلى تأدية رسالتهم على وجهها من القيام بما أوجبه الله عليهم من النصيحة لله ورسوله ولأئمة المسلمين عامتهم حتى يكونوا بذلك قد اتقوه فيما أودعهم من أمانة؟

كتبه/ محمد صادق عرنوس

] مجلة الهدي النبوي جـ8 / العدد (12) لعام 1363هـ- صـ 25-27 [ .
===============================================
(1)   ينداح: يتوسع.

(2)   الديجور: الظلام.

الاثنين، 25 أبريل 2016

القول المختصر في فوائد غض البصر


الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد؛ فهذه أبرز فوائد غض البصر، اللهَ أسأل أن ينفع بها كاتبها وقارئها.

قال تعالى: ﴿ قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون(٣٠) وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ﴾ الآية.

وفي الآية الكريمة فائدتان:-

1️⃣ أن غض البصر سبيل لحفظ الفرج وصيانة للعرض.

2️⃣ أنها تزكي صاحبها عن اقتراف الرذيلة.

ومن الفوائد أيضا:-

3️⃣ أنها تحفظ العين من الزنا، قال ﷺ: "والعين تزني وزناها النظر" [متفق عليه] 

4️⃣ انها تورث صاحبها/ صاحبتها الحشمة، وحسن الخلق، وتجعله/تجعلها مثالا يحتذى به/بها في المروءة والفضيلة.

وقد كان أهل الجاهلية يتفاخرون بغض البصر، قال عنترة بن شداد العبسي:

وأغضّ طرفي مابدت لي جارتي
حتى يواري جارتي مأواها

والناظر لحال الذين يطلقون أبصارهم في المحرمات، المتطفلين على أعراض الناس، ويلهثون خلف العورات ويسيل لعابهم عند رؤية ما أمر الله بحفظه والصد عنه .. ليحتقر هؤلاء السفلة ! وقد جعل الله احتقارهم أمراً جبليّاً عند أهل التقى.

وصدق القحطاني حين وصفهم في نونيته:
إن الرجال الناظرين إلى النسا
مثل الكلاب ! تطوف باللحمان

كذلك الأمر للمرأة فمتى تساهلت في هذا الأمر، هان عليها معاكسة الرجال .. ولو لم تُبد لهم ذلك .. وكبروا حينها على حيائها وعفتها وأنوثتها أربعاً! 

وختاماً أذكركم ونفسي بقول رب العزة: 
﴿إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا﴾

والحمدلله رب العالمين

كتبه أبو عمر عبدالله الهزاع
الاثنين ١٨ رجب ١٤٣٧هـ