الخميس، 7 يوليو 2016

ظاهرة عجيبة (العلامة محمد صادق عرنوس)

تلك الظاهرة ليست مما يخرج من باطن الأرض من زلازل وبراكين، أو يتعلق بمد البحر حين ينداح (1) أو بجزره حين ينزاح؛ وليست مما يسقط من السماء نيزكا هاويا، أو يرى في صفحتها مُذنَّباً معترضا، تلك الظاهرة إلا تكن أشيع مما تقدم خبراً فهي بلا شك أعمق منه أثراً، لأنها بدت في جونا الأخلاقي كانت حديثُ الخاصة والعامة؛ فقال قائلهم: ما بال جماعة العلماء يزجون بأنفسهم في بحر السياسة اللجي؛ فينضوون تحت راية حزبٍ أو يشايعون مبدأ، وقد جعلهم الله موازين بما استحفظوا من كتاب الله وبما كانوا يدرسون- يتحاكم إليهم الناس إذا أعضلت الأمور؛ وغشيها الديجور (2).
ولقد كتبت صحيفة النذير في عددها الصادر في (20 القعدة) كلمةً أهابت فيها بالعلماء أن يحققوا وراثتهم للأنبياء فيوجهوا نشاطهم إلى نصرة الدين، بعنوان: (أين الأزهر: نريد أن نسمع صوت شيخه الأكبر وصوت علمائه دفاعا عن الدين).
قالت:
(فاضت الصحف أخيرا بأخبار الأزهر ووفوده إلى دور الوزارات والأحزاب، وتنقلات علمائه؛ ومظاهرات طلبته، وغير ذلك مما يشعر بالنشاط الموفور والقوة الدافقة، وكم كنا نود أن نرى هذا النشاط يتجه مثمراً، وهذه القوة تُسخَّر لما فيه عزةَ الدين ومجدَ المسلمين، وكم كنا نود أن نسمع صوتَ الأزهر مطالبا وزارة الإصلاح بالتشريع الإسلامي وإلغاء البغاء وإغلاق الحانات وفرض الزكاة .. وغير ذلك من أمور الدين كما سمعناه بهتفِ بحياة هؤلاء وسقوط هؤلاء.
فإلى فضيلة الأستاذ الأكبر، وإلى أعضاء مجلس الأزهر الأعلى؛ وإلى مشايخ المعاهد الدينية وعلمائها وطلبتها.
إلى هؤلاء جميعاً نقول: أما آن الأوان لعملِ ما يرضي الله ورسوله وجهاد في سبيل الله ورسوله، لا في سبيل أغراض تُقضى أو منافع تُجنى؟
أيا ورثة الأنبياء: أوشك الميراث أن يهدر، وأوشكت الأمانة أن تضيع، فاتقوا فتنةً لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة، واعلموا أن الله شديد العقاب).
كما كتب عالمٌ نابه من علماء الأزهر هو الأستاذ محمد الأسمر الشاعر المعروف كلمةً في جريدة الأهرام بعنوان: (صور ومشاهدات . رجال الدين) يتوجع فيها من هذه الحالة ننقلها بنصها:
(رجال الدين في كل مكان وزمان هم ورثة الأنبياء وخلفاء الرسل: من أجل ذلك وجب أن يكون عملهم لله وحده، وللحق وحده؛ الناس جميعاً لديهم سواء، لا يميلون مع هذا على ذاك، ولا يميلون مع ذاك على هذا، بل هم الموازين القائمة بالقسط، ليسوا أداةَ ظلمٍ، ولا أداة محاباة، وإنما شهداء لله ولو على أنفسهم.
وإذا  كان ذلك كذلك فكيف يستطيع رجال الدين أن يكونوا شهداء لله ولو على أنفسهم إذا هم انضووا تحت ألوية الأحزاب السياسية، وأسبحوا خاضعين لها وهم الهداة الذين يوجب عليهم الإخلاص لرسالتهم أن ينضووا تحت لواء الله وحده، وأن يخضعوا للحق ليس غير؟
إن السياسة في هذه الأعوام أصبح أمرها معروفا لدى الخاصة والعامة، ورجال الدين حينما ينغمسون فيها يكونون أشبه بالأشياء بالزارع ينفض يديه من البذر والحصد وغرس الأزاهير؛ ويقف أمام الكِير ينفخ في النار ليكون حدّاداً يصنع بمطرقته ونارِهِ المسامير وأشباه المسامير.
إن رجال الدين حينما يندمجون في غير ما خُلقوا له، ينسلخون بذلك عن رسالتهم التي أعدوا أنفسهم لها وراضوا على تبليغها؛ ويكونون كمن قال الله عنه: ((واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه)).
وإذا اتبع المرء هواهعاش في حياته كما يعيش كل من يتبع هواه:
                           يوما بحزوى ويوما بالعقيق وبالـ                       ـعذيب يوما، ويوما بالخليصاء
وإن رجالا هذا شأنهم لن يبارك الله لهم، ولن يبارك الله بهم، ولقد أنصف شيخ الأزهر حينما قال في ندائه الذي وجهه إلى علماء الأزهر وطلابه: أطالبكم أن تعودوا إلى سابق العهد بكم إخوانا متحابين في الله، ناسين كل شيء إلا الأزهر ومجده، والدين وحقه، والرسالة التي أعددتم أنفسكم للاضطلاع بها والقيام بأعبائها). اهـ
فهل آن للعلماء أن يفكروا في موقفهم فيعودوا إلى تأدية رسالتهم على وجهها من القيام بما أوجبه الله عليهم من النصيحة لله ورسوله ولأئمة المسلمين عامتهم حتى يكونوا بذلك قد اتقوه فيما أودعهم من أمانة؟

كتبه/ محمد صادق عرنوس

] مجلة الهدي النبوي جـ8 / العدد (12) لعام 1363هـ- صـ 25-27 [ .
===============================================
(1)   ينداح: يتوسع.

(2)   الديجور: الظلام.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق