الاثنين، 16 ديسمبر 2024

إنكار المنكرات العامة لا تسقط هيبة والٍ ولا تُفرح عدوا

 

قرأت تغريدة لأحد الدعاة، يقول فيها:


(الكلام حول مشروعية الحدث الرياضي المرتقب في بلادنا من اختصاص ولاة الأمر العلماء والأمراء.


لكن عندما نرى نهش كل مرتزق وحاقد وحاسد لبلادنا، فهنا الدفاع عنها وكشف عوار الحاقدين والمرتزقة من الدين.

ويدخل المدافع في فضيلة الذب عن المسلم أيا كان منصبه حاكما أو محكوما). اهـ


أقول مستعينا بالله:


[ الفتوى للعلماء لا الأمراء ]


قوله (الكلام على مشروعية الحدث الرياضي من اختصاص العلماء والأمراء)


لعله يريد أن يشير إلى قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) وأن الولاة في الآية: هم العلماء والأمراء، كما قال الإمام القرطبي -رحمه الله- وغيره من أهل العلم.


ومن المعلوم عند كل ذي لُب أن العلماء يرجع إليهم في أمور الدين، والأمراء في أمور الدنيا، وكلاهما يتحاكم إلى الكتاب والسنة ولا يخرج عن مظلة الشريعة.


وقد لبّس الكاتب على الناس؛ فإصدار الأحكام الشرعية ليس من شأن الولاة بل العلماء، بل يجب على الولاة وعموم المسلمين طاعة العلماء ومتابعتهم.


قال الإمام ابن القيم -رحمه الله- : (والتحقيق أن الأمراء إنما يطاعون إذ أمروا بمقتضى العلم، فطاعتهم تبع لطاعة العلماء، فإن الطاعة إنما تكون في المعروف وما أوجبه العلم، فكما أن طاعة العلماء تبع لطاعة الرسول، فطاعة الأمراء تبع لطاعة العلماء.


ولما كان قيام الإسلام بطائفتي العلماء والأمراء، وكان الناس كلهم لهم تبعا، كان صلاح العالَم بصلاح هاتين الطائفتين، وفساده بفسادهما، كما قال عبد الله بن المبارك وغيره من السلف: صنفان من الناس إذا صلحا صلح الناس وإذا فسدا فسد الناس قيل:من هم؟ قال: الملوك والعلماء.


كما قال عبد الله بن المبارك:

رأيت الذنوب تميت القلوب••

وقد يورث الذل إدمانها


وترك الذنوب حياة القلوب••

وخير لنفسك عصيانها


وهل أفسد الدين إلا الملوك••

وأحبار سوء ورهبانها؟) [إعلام الموقعين]


[هل أنت أعلم وأحكم من رسول الله ﷺ والسلف؟]


خرج الكاتب عن أصل الموضوع -تنظيم الحدث الرياضي ومظاهر المعاصي التي تحدث فيه- وسلط سهامه على من وصفهم بالمرزتقة والحساد والحاقدين، وهذه مغالطة منطقية يسميها اهل الجدل (مغالطة الرنجة الحمراء) وسيأتي الحديث عنها فيما بعد.


ولا أدري كيف يفكر هذا الرجل..

وأنا أسأله:


1-إيتنا بعالم سبقك القول بأن الأمراء يرجع إليهم في الفتوى. 


2-هل تريد أن يكف المسلمون عن النهي عن المنكرات العامة التي سمحت بها الدولة، في جميع الدول الإسلامية: إغاظةً للمرتزقة والحُسّاد والحاقدين على بلدانهم ؟!


هل كلامك هذا مبني على وحي إلهي، أم فلسفة من عندك؟


3-هل تؤيد السكوت عن انتهاك حرمات الله، خاصة إن كان أصحابها وطنيين، حتى لا يشمت بهم الأعداء؟


4-هل أنت أعلم وأحكم من رسوله الله ﷺ الذي كان ينكر المنكرات على منبر ويقول: 

(ما بال أقوام يقولون كذل وكذا)


لماذا لم يُخفِ الحدود والقصاص؟

ألم يقطع يد السارق؟

ويرجم ماعز والغامدية -رضي الله عنهما- لما زنيا.

وهجر الصحابة المتخلفين عن غزوة تبوك، حتى بلغ الأمر لقبيلة كعب بن مالك -رضي الله عنه- وكانوا على الكفر فاستغلوا الموقف وحاولوا إغواءه، لكن الله ثبته.


لماذا لم يسكت او يكتم ذلك حتى لا تطعن قريش ويهودُ المدينةِ بأصحاب خاتم الأنبياء والمرسلين، ويشمت الكفار الحاقدين الحاسدين بدولة الإسلام؟


5-هل أنت أعلم وأحكم من الصحابة لما كانوا يتكلمون عن ضياع الدين بعد رسول الله.


كما قال أنس -رضي الله عنه- في زمن الحجاج: (ما اعرف شيئا مما كان على عهد النبي ، قيل: الصلاة؟ قال: أليس ضيعتم ما ضيعتم؟) رواه البخاري.


ولماذا نقل التابعون هذا الأثر عنه حتى دُوّن، هل أخطأوا حين لم يلتفتوا لشماتة الأعداء؟


6-هل أنت أحكم من أئمة الإسلام الذين كانوا ينكرون المنكرات، ومظاهر الفسق والفجور في بعض البلدان الإسلامية في وقتهم؟


ولعلك تلقي نظرة على كتب التاريخ في القرون السالفة، ورسائل العلماء عن المنكرات ومظاهر الفساد في بلادهم والأقطار الإسلامية الأخرى، ولو ألقيتَ نظرة على الدرر السنية ورسائل الشيخ ابن باز ستجد الكثير من هذا.



[مغالطات الكاتب


وقع الكاتب في مغالطات عديدة، منها:


•الحيدة:

أثار الكاتب قضية الحدث الرياضي، ورمى المسؤولية الشرعية على ولاة الأمر دون أي تعليق أو تنبيه، وكان الأولى به أن ينقل فتاوى العلماء الأكابر إن كان من الناصحين.


•المصادرة على المطلوب:

وهو التسليم بالمسألة المراد البرهنة عليها بجعلها مقدمة مسلّم بها.


وذلك أن الشريعة الإسلامية يستطيع كل مسلم مكلف إنكار المنكرات العامة -بالشروط المعتبرة- ويستطيع كذلك تحذير الناس من خطر المعاصي وشؤمها على الدولة والأفراد، بل قد يكون ذلك واجبا متعينا عليه.


والدليل قوله (من رأى منكم منكرا فليغيره..).


فلماذا حجّر واسعا، وجعل الكلام على الحدث الرياضي خاص بأولي الأمر وصدّره في مقدمة كلامه وكأنه أمر مسلم، ومنع عموم المسلمين من الناس الكلام في الموضوع وكأنها نازلة لا يميز فيها العوام المعروف من المنكر؟ ومن قال ذلك؟


•مغالطة الرنجة الحمراء.

وهو تحويل الانتباه عن الموضوع الرئيسي بإدخال تفاصيل مثيرة للانفعال لا علاقة لها بالموضوع، فتهوي إليها أفئدة الجمهور ولا يعود أحد يذكر الموضوع الأصلي، وينسى الطامة. 


وهذا واضح في تحويره موضوع الحدث الرياضي إلى محاربة المرتزقة والحساد. 


وصار "التطبيل" دينًا! ]


قال الكاتب: (فهنا الدفاع عنها وكشف عوار الحاقدين والمرتزقة من الدين.

ويدخل المدافع في فضيلة الذب عن المسلم أيا كان منصبه حاكما أو محكوما)


يقول الكاتب باختصار:

إذا فشى منكرٌ سمحت به الدولة، فاتركوا الحكم للعلماء والأمراء، وانشغلوا بالدفاع عنها، وأظهِروا عوار الأعداء، ولكم فضيلة الذب عن المسلم إن شاء الله !!


الله الله على الفقه في الدين والحكمة..


بالله عليك .. إن كان الأمر كما تقول، فمن الذي يقوم بإنكار المنكر؟ ومتى؟


على فلسفتك هذه:

لا يجوز لأحدٍ إنكارَ منكر عام إلا العلماء والأمراء .. وهذا جهل مبين، وضياع للدين


لا إله إلا الله .. ما أهون ارتكاب الذنوب وانتهاك حرمات الله عند أدعياء السلفية!



[ فوبيا الخوف من شماتة الأعداء


تكثر هذه الفئة من ترديد: (لا تنكروا المنكرات، ولا تحذروا الناس منها في وسائل التواصل حتى لا يشمت بنا الأعداء) وهذا انحراف وتشبه باليهود الذين (كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه).


ودين الله ؟!

وحدود الله ؟!

أما تخشون أن يأخذكم الله بذنوبكم؟


(وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا).


(أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون• أوأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون• أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون).


إن هروب الكاتب عن الموضوع مدعاة للشماتة والسخرية ممن يَحذر شماتتهم، فخوفه الشديد من إنكار المنكر واضح جدا، ولو سكت عن الموضوع لكان خيرا له.


[التهوين من المنكرات بدعة إرجائية]


لما أخر المرجئةُ العملَ عن مسمى الإيمان أدى ذلك إلى تهوينهم من ارتكاب المعاصي، فالعاصي عندهم مؤمن كامل الإيمان.


وتكمن خطورة هذه الدعوى أنها مدعاة إلى ترك العمل والتكاسل عنه، والتهوين من شأن المعاصي لعدم تأثيرها على الإيمان، ولذلك يلتف الفساق حول أهل المرجئة.


وما أشبه أدعياء السلفية الوطنجية بالمرجئة.


فالمرجئ يرى أن الفاسق الفاجر مؤمن، ولذلك يحَب ويوالى.


وأدعياء السلفية يرون أن الوطنجي الفاسق الضال سلفي، فيحب ويوالى، ولا يظهرون شيئا من البغض والعداء له (حتى لا يشمت بهم الأعداء).


فالمعاصي والانحرافات الفكرية لا تغير من ولاء الوطنجي، ربما ينكر بعضهم في مجالسهم الخاصة، ولكن لا يظهر ذلك في العلن، بل تجد انسجامهم مع الفسقة والليبرالية، ودفاعهم عنهم، بل ويزكونهم، وبعضهم أساتذة جامعات وأصحاب تخصصات شرعية ..


لا أقول هذا افتراضًا .. بل سمعت بأذني في مساحات الأدعياء من يثني ويبالغ في تزكية الفساق والمبتدعة ويتودد إليهم، ورأيت من ينشر لليبرالية ويدافع عنهم.


وقد رأيت -وللأسف الشديد- بعض العامة الفضلاء صاروا يوالون الليبرالية والتنويريين الملاحدة لأنهم وطنجية يحاربون جماعة الاخوان المسلمين والسرورية المنحرفين…حتى صاروا يعادوني لردي على انحراف هؤلاء الملاحدة التغريبيين !


وما سبب هذه الانتكاسة، وانحراف العامة اليوم إلا لتقاعس مشايخ الأدعياء عن ملف الإلحاد والتغريب، إما جبنا منهم أو لجهلهم.


ونصيحتي الأخيرة للمصابين بـ "فوبيا شماتة الحساد" : إياكم أن تنكروا على جماعة الإخوان قاعدة المعذرة والتعاون، فأنتم وهم في الحزبية سواء.

 

أسأل الله أن يهديكم

ويريح الأمة من عبثكم 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق